هذا الحديث يدل على أن من أخرج شيئاً لله لا يجوز له الرجوع فيه، فشخص أعطى زميله كتاب يستفيد منه ثم بعد ذلك هذا المهدى لم يستعمل الكتاب حق الاستعمال وأضاعه، وجعله في مكانٍ يدل على عدم اكتراثه به معرض للشمس، معرض للأمطار والسيول، وكل ما دخل زميله رأى هذا الكتاب في هذا المكان الذي هو مظنة لتلفه، فقال: بعنيه، فبدلاً من أن تكون قيمته مائة ريال يمكن يبيعه بعشرة، احتمال يبيعه برخص؛ لأنه لو كان أثيراً عنده معظماً لديه لجعله في مكانه اللائق به، واستفاد منه حق الإفادة، لكن لما كان ما يستفيد منه وضعه في هذا المكان الذي يدل على أنه زاهد فيه، لا شك أنه يبيعه برخص، مثل هذه الصورة التي معنا فمن ترك شيئاً لله، وبذله لله لا يجوز الرجوع فيه ولا بالشراء، فهذا الفرس لو أعطاه إياه بدرهم لا يجوز له أن يشتريه، لكن لو كان عمر -رضي الله تعالى عنه- أراد أن يشتري هذا الفرس ليعطيه آخر يجاهد عليه في سبيل الله، أو أراد المهدي للكتاب أن يخلص هذا الكتاب من الشخص الذي لا يستفيد منه، ويدفعه إلى آخر يستفيد منه يلام وإلا ما يلام؟ هل مثل هذا رجوع في الهبة فيما أخرجه لله؟ لا، هذه هبة ثانية، وإخراج لله مرة ثانية، فمثل هذا لا يدخل في المنع، وإن كان من أهل التحري من يرى أنه لا يبيعه ولو .. ، لا يبتاعه ولو تلف، ولو أدى ذلك إلى تلفه لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم)) لكن من عرف المقاصد الشرعية وعمومات الشريعة يدل على أن المراد أنه لا تبتعه لتفيد منه بنفسك، أما إذا تدفعه إلى شخص يستفيد منه أكثر مما يستفيد منه المعطى الأول، وتشتريه بقيمته فإنك مثاب مرة أخرى على ثوابك الأول، وكذلك لو اشتراه بأكثر من قيمته، وجده يحرج عليه في السوق من يشتري الفرس؟ الفرس يستحق خمسمائة فسامه بعضهم بمائة، مائتين، ثلاثمائة، فقال: أنا أشتريه بستمائة، هل هذا من الرجوع والعود فيما وهبه لله -جل وعلا-؟ لأن العلة المنصوصة الرخص، وهذا الرخص الذي هو القدر بين قيمته الحقيقية، وبين ما يباع به من رخص هذا رجوع، يعني إذا كان يستحق خمسمائة فاشتراه بثلاثمائة نقول: إنه رجع من الفرس بمقدار مائتين، لكن إذا اشتراه بستمائة رجع في