لكن أهل العلم يتفقون على أن غير العاقل مرفوع عنه القلم، وهذا عقله قد زال، هذه المدة مدة ما بين ارتفاع التكليف بزوال العقل إلى الموت مقتضى الحديث أنه العمل جاري، العمل يجري له، لا سيما وأنه امتداد لعمله وقت التكليف، فمن لزم القرآن صار ديدنه ليل نهار، أو الذكر ثم بعد ذلك زال عنه التكليف فصار يسمع منه القرآن والذكر على ما كان يعمله في حال الصحة، مثل هذا واضح في كونه يثاب على هذا؛ لأنه امتداد لعمله، كمن سنّ سنة حسنة أو سيئة يؤجر على الحسنة ويوزر على السيئة وإن مات، وإن انقطع عمله فهذا من آثار عمله، لكن المؤاخذة -مؤاخذة الإنسان- وقد زال عقله، يعني أقرب ما يقال في مثل هذا مثل الصغير غير المكلف الذي رفع عنه قلم التكليف منهم من يرى أنه مرفوع رفع تام، بمعنى أنه لا له ولا عليه قبل التكليف، ومنهم من يرى أنه يكتب له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات، على كل حال هذه محل نظر وتحتاج إلى تحرير في هذه المدة.
((انقطع عنه عمله)) والمراد بعمله الصالح الذي يكتب له ((إلا من ثلاث)) لأن الاستثناء هنا إن قلنا: إنه متصل قلنا: انقطع عمله الصالح، وإذا قلنا: إنه أعم من أن يكون متصلاً أو منقطعاً قلنا: يشمل العمل الصالح وغير الصالح، كله ينقطع ((إلا من ثلاث: صدقة جارية)) وهذا هو الشاهد من الحديث للباب؛ لأن أهل العلم حملوه على الوقف الذي يستمر؛ لأن الصدقة التي يدفعها الإنسان إلى فقير فيأكلها هذا الفقير وتنتهي هي ليست جارية هي صدقة، لكن ليست جارية، أما الجارية هي التي تستمر ويدوم نفعها كالوقف.