الحاجة أعم من أن تكون مما ذكر، كل ما يحتاجه الإنسان من أمور دينه أو دنياه تسمى حاجة، ويراد به هنا ما ذكر، الحاجة لفظ مقبول، لكن أفراد هذه الحاجة المرادة هنا تنفر عن سماعها الآذان، فهكذا علمنا الشرع أن نتأدب في الألفاظ فلا نبتدئ باللفظ المستقبح، ولا ننقله ولا نكثره إلا عند الحاجة القصوى، حينما لا يقوم غيره مقامه، فبحديث وفاة أبي طالب تتابع الرواة على قول .. ، على نقل قول أبي طالب في آخر ما تكلم به: "هو على ملة عبد المطلب" لئلا ينسب الكفر إلى المتكلم، وهو إن كان ناقل وآثر لا شيء عليه في ذلك، وينقل عن غيره، لكن العدول من هذا التعبير إلى ذاك لا شك أنه من الأدب، بخلاف ما إذا أوقع في لبس وإشكال، فتتابع الرواة على نقل قول ماعز: "إني زنيت" ما قالوا: أنه زنى؛ لأنه لا بد من التصريح بنسبة الفعل إلى النفس؛ لئلا يتوهم السامع قوله: إنه زنى أنه يحكي عن غيره، ماعزاً يحكي عن غيره، احتمال يحكي عن غيره، لكن إذا لم يقم غيره مقامه لا بد من التصريح به، ولذا يأتي الخير منسوباً إلى الله -عز وجل- صراحة، والشر يحذف الفاعل {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] فالشر حذف فيه الفاعل؛ لأنه وإن كان كل من عند الله فإنه لا تحسن إضافته إلى الله صراحة، ولذا جاء في الحديث: ((والشر ليس إليك)) بينما الخير ينسب إلى الله -عز وجل- صراحة، {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] وهكذا، فالمقصود أنهم يقولون: قضاء الحاجة والمراد به اللفظان المستقذران، لكن عند الحاجة حينما لا يقوم غير اللفظ مقامه لا بد من التصريح، بعض الفقهاء يقول: باب الاستطابة، ولا يستطيب بيمينه، لا يستطيب بيمينه، هذا متفق عليه، بعضهم يقول: باب التخلي، أو آداب التخلي؛ لأنه يلزم منه دخول الخلاء، المقصود أن كل هذا من العدول من العبارات والألفاظ المستقذرة المستقبحة إلى الألفاظ المقبولة، وهذا أدب شرعي لا يصرح باللفظ المستقذر إلا عند الضرورة القصوى حينما لا يقوم غيره مقامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015