العارية بتشديد الياء، وقد تخفف فيقال: عارية، وقد تحذف الياء، وهي مأخوذة من عار الفرس إذا ذهب؛ لأن المادة التي تعار تذهب من صاحبها، ومنهم من يقول: إن أصلها مأخوذة من عرو هذه السلعة من القيمة والثمن، يعني من عروها وخلوها عن المقابل، المقابل يعني من متاع الدنيا وحطامها وإلا فأجرها عظيم، وأوجب بعضهم بذل ما لا يضر بذله لمن يطلبه، فقد جاء ذم من يمنع الماعون {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [(6 - 7) سورة الماعون] فإذا جاء المسلم يطلب من أخيه شيئاً يحتاجه بحيث لا يضره دفعه إليه لا يجوز له أن يمنع؛ لأنه جاء ذمه، ومنهم من يقول: إن هذا يدل على الاستحباب لا على اللزوم والتأثيم، ولا شك أن هذه الأمور ينبغي أن تسود بين المسلمين، وتنتشر بين المسلمين، فيتعاونون على ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [(2) سورة المائدة] فمثل هذا التعاون مطلوب، كما جاء في الأمور التي ينتفع بها المسلم ولا يتضرر بها من يبذلها له كالحجامة مثلاً، جاء في الحديث الصحيح: ((كسب الحجام خبيث)) مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحتجم، وأعطى الحجام، أعطاه كسباً، فالخبث هنا من أجل أن تسود هذه المنافع بين الناس من غير مقابل، فينتفع الناس بعضهم ببعض من غير أن يتشاحوا في مثل هذه الأمور، ويتحاسبوا على هذه الدقائق، فتبنى أمورهم على المسامحة، فتسود بينهم المودة والمحبة، التي هي من الأسباب التي يدخل بها الناس الجنة ((لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا)) ومن أسبابها بذل المعروف من عارية وشبهها، عرفوها في الاصطلاح بأنها إباحة المنفعة دون ملك العين، جاء ليستعير منك كتاباً، يستعير منك إناء ماعون، يستعير منك كأس، يستعير منك كذا، تبذل له، تبيح له الانتفاع بهذه المادة دون ملك عينها.