((فإذا أتيت وكيلي في خيبر)) وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة، ففيه إثبات الوكالة، ودليل على شرعيتها، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع، قام الإجماع على صحتها، ولكن هل تكفي القرينة لتصديق المدعي أو لا تكفي؟ وهل القرائن مما يحكم به أو لا؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من لا يرى إلا البينة بالشهادة أو اليمين عند عدمها، ومنهم من يقول: إن القرائن قد تقوى فتقوم مقام البينة؛ لأن البينة هي ما أبان الحق، والقرينة أحياناً قد تكون أقوى من مجرد الشهادة، بعض القرائن أقوى، ابن القيم -رحمه الله- ذكر في الطرق الحكمية الحكم بالقرائن، وذكر قصص، القرائن في بعضها أقوى من مجرد الشهادة، ذكر أن جزاراً وكل إليه ذبح شاة، فذبحها في خربة، فلما ذبحها خرج من الخربة والمدية تقطر دماً، السكين متلطخة بالدم، وثيابه كذلك، وفي طريقه إلى الخروج من هذه الخربة في داخل الخربة وجد رجل يتشحط بدمائه، فمسك هذا الجزار، فقيل له: أنت القاتل، هل يستطيع أن يقول: لا أنا لست القاتل؟ السكين في يده مشهورة تقطر دم، والرجل يتشحط بدمه، أخذ به، فلما لم يبقَ سوى القصاص خرج رجل من الحضور وقال: أنا الذي قتلته، فخلي سبيله. شخص يجري وبيده عمامة وعلى رأسه عمامة، وخلفه رجل يجري وراءه حاسر الرأس، ويقول: إنه أخذ عمامتي، يصدق أو ما يصدق؟ لأنه ما جرت عادة الناس بأن يمشي الرجل حاسر الرأس، يعني أنت لو تشوف اثنين من زملائك في المسجد يوم الجمعة وهم زملاءك تعرفهم، ما رأيتهم أبداً، ولا رأيت واحداً منهم يمشي حاسر الرأس، أحدهما على رأسه شماغ وطاقية، وبيده شماغ وطاقية، والثاني أصلع ما عليه شيء، ماذا تقول؟ ما تقول: الشماغ والطاقية، هذه قرينة، لكن لو كان في بلد مختلط فيه الحاسر، وفيه الذي عليه الطربوش، والذي عليه الشماغ، والذي عليه العمامة، مثل هذا يمكن يصير يمشي أصلع، ما في إشكال، فالقرائن منها ما يقوى على إثبات الحق، ومنها ما لا يقوى.