فالإمام أحمد ومالك في المشهور عنه وجمع غفير من أهل العلم من أتباع الإمام الشافعي وغيره يقولون: بأن الأكل من لحوم الإبل ينقض الوضوء، استدلالاً بهذين الحديثين، والشافعي وأبو حنيفة في المعروف عنهما يقولان: لا ينتقض الوضوء بأكل لحوم الإبل، وإذا نظرنا إلى المسألة وجدنا أن الإمامين في مقابل إمامين وتسلم النصوص عن المعارض، فلا محيد ولا مندوحة عن العمل بهذين الحديثين، كيف يظن بمثل الشافعي .. ؟ أولاً: الشافعي لم يثبت عنده خبر جابر ولا خبر البراء، ومن باب أولى بالنسبة لأبي حنيفة؛ لأن الشافعي أعلم بالحديث من أبي حنيفة، وكل على خير -إن شاء الله تعالى- وهما إمامان من أئمة المسلمين، إماما هدى لا يقدح فيهما، لكن لا يلزم أن يطلعا على كل شيء، وأن يعرفا كل شيء، الشافعي جاء بالقاعدة المطلقة عنده: "إن صح الحديث فهو مذهبي" وللسبكي رسالة: "في معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي" وقال كثير من الشافعية بمسائل لم يثبتها الإمام؛ لأنه صح فيها الخبر على مقتضى هذه القاعدة.
قد يقال قائل: كيف يظن بالشافعي وأبي حنيفة وأتباعهما أنهم مع صحة الحديثين نعم من خفي عليه الخبر معذور لكن من عرف مثل هذين الحديثين الصحيحين، استدلوا بأدلة، من أوضحها في الدلالة حديث جابر قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" ترك الوضوء مما مست النار، "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار"، ولحم الإبل تمسها النار وإلا لا تمسه؟ تمسه النار؛ لأنه لا يؤكل نيئاً، بل لا بد أن يكون مطبوخاً.
أقول: هذا الحديث متأخر عن حديث جابر والبراء، والعمل بآخر الأمرين هو الأصل، فعلى هذا يكون حديث جابر وحديث البراء منسوخين بالحديث الذي سمعناه، لكن متى يلجأ إلى النسخ؟ هل يمكن اللجوء إلى النسخ أو القول بالترجيح مع إمكان الجمع، إذا أمكن الجمع عند أهل العلم ولو بحمل عام على خاص أو مطلق على