يقول: وذلك لأن النهي غير متناول للشراء بلفظه، وله في معناه، فإن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر ليتسع عليهم السعر، ويزول عليهم الضرر، وليس ذلك في الشراء لهم إذا لا يتضررون في عدم الغبن للبادين، بل هو دفع الضرر عنه، والخلق في نظر الشارع على السواء، فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر لا يلزم أن يُلزم أهل البدو الضرر.
ثالثاً: هناك مسألة تتصل ببيع الحاضر للبادي والشراء له وهي: ما لو أشار الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع له: فقد نقل ابن قدامة أنه كرهه مالك والليث أو استشاره مجرد استشارة جاء يبيع قال: ويش رأيك؟ كم نبيع كرهوه لأنه في حكم البيع له.
وقال الشافعية: في وجوب إرشاده إلى الادخار أو البيع وجهان: أوجههما أنه يجب إرشاده؛ لوجوب الإشارة بالأصلح عليه، ونقل ابن قدامة أيضاً أنه رخص فيه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-, والأوزاعي وابن المنذر، قال ابن قدامة: وقول الصحابي حجة ما لم يثبت خلافه.
رابعاً: نص ابن جزيء من المالكية على أن تعريف البادي بالسعر هو كالبيع له فلا يجوز. انتهى كلام أرباب الموسوعة.
وهو كلام شامل، ويوضح شيء من المعالم، فإذا ثبت النهي عن هذا البيع من قبل الحاضر للبادي، وقد ثبت بالنص الصحيح الصريح وهو محكم خلافاً لمن يقول: بأنه منسوخ، لا بد من تقييده بالقيود التي ذكرت؛ لأن المعنى واضح، المعنى من نهي الحاضر للبادي واضح، وهو مصلحة أهل السوق، ومصلحة المستهلك الذي يشتري من هذا السوق، وهو لا يرد على هذا أن البادي يبيع برخص على التجار والتجار يرفعون الأسعار على المستهلكين يعني مسألة مفترضة إذا ساد هذا وعرف أنه تكثر السلع في الأسواق برخص، ويحرم على التاجر الاحتكار فيضطر أن يبيعها برخص، فالنصوص متوازنة ومتعادلة نظرت إلى مصلحة الجالب: ((لا تلقوا الركبان)) ونظرت إلى مصلحة أهل السوق: ((لا يبع حاضر لباد)) ونظرت إلى مصلحة المستهلك في تحريم الاحتكار، وهذا في الأقوات كما هو معلوم، وما يحتاج إليه الناس أم الأمور الكمالية فالأمر فيها سعة كما يقرره عامة أهل العلم.
الإمام البخاري ترجم على الحديث بتراجم وهي عادته في بيان فقهه لهذه التراجم، يقول في الترجمة الأولى: