والسبب في ابتلاء كثير من الناس بالوسواس أنهم اعتمدوا على الأوهام، ورفعوا بها اليقين، واستدرجهم الشيطان حتى أوقعهم فيما أوقعهم فيه، من تضييع لأمور دينهم ودنياهم، فالوسواس داء، ولذا عندنا هذه القاعدة: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء, أم لا? فلا يخرجن من المسجد)) يستمر في صلاته، وهذا سواءً كان في المسجد أو في بيته أو في أي مكان من الأماكن الطاهرة التي يصلي فيها، لا يخرج من صلاته، قال: ((من المسجد)) لأن هذا الأصل أن الصلاة تكون في المسجد، حيث ينادى بها ((حتى يسمع صوتاً -حتى يتأكد- أو يجد ريحاً)) حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وعند أهل العلم الأحكام معلقة بغلبة الظن، معلقة بغلبة الظن، يعني إذا غلب على ظنه أنه خرج منه شيء قوي احتمال الناقض، عند أهل العلم أنه يعمل بغلبة الظن، ما لم يجره هذا العمل إلى الوسواس، ما لم يجره هذا العمل بغلبة الظن إلى الوسواس؛ لأن بعض الناس ولو كان وهم يجعله غالباً على ظنه، احتمال مرجوح ثم يقوى هذا الاحتمال إلى الشك، ثم يقوى حتى يصير ظناً، فإذا كان الإنسان ممن ابتلي بالوسواس لا يلتفت إلى شيء حتى يتأكد ويتيقن أن ما تيقنه من الطهارة زال بيقين.
((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) هنا في المسجد ((فلا يخرجن من المسجد)) يعني الشخص موجود في المسجد كما دل عليه الدليل، ويسمع صوت أو يجد ريح، فما حكم إرسال مثل هذا الصوت وهذه الريح في المسجد؟ من المعلوم أنه نهي عن أكل ما له رائحة كريهة لمن أراد الحضور إلى المسجد، فإرسال مثل هذه الأمور سواءً كانت بصوت أو بغير صوت في المسجد من باب أولى، اللهم إلا إذا وجدت الحاجة، بحيث لا يستطيع أن يملك، ولذا ابن العربي في شرح الترمذي قال: في الحديث جواز إرسال مثل هذا –يعني من الفساء أو شبهه- في المسجد للحاجة، للحاجة أما إذا كان لغير حاجة فهو أولى بالمنع من الثوم والبصل، أولى بالمنع من الثوم والبصل لمن أراد أن يحضر إلى المسجد، فالحديث فيه أصل من أصول الدين، وقاعدة جليلة من قواعد الفقه وهو أن اليقين لا يزيله إلا اليقين، فلا يزيله الشك، فلا يزيله الشك.