يجوز وإلا ما يجوز؟ تأملوا يا إخوان: "أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: ((لا)) " لما تكلم عن الميتة وأن بيعها حرام سئل عن جزها -عليه الصلاة والسلام-، وذكرت منافع هذا الجزء، إذا كان الميتة بيعها حرام فماذا عن بيع بعضها؟ لا سيما وأن منافعه ظاهرة؟ والسياق يدل على البيع، وإن كان الانتفاع في الجمل الثلاث هو الأقرب، وعلى كل حال المسألة محتملة، والأكثر على أنه يعود إلى الانتفاع؛ لأنه أقرب وأحوط، فقال: ((لا، هو -البيع أو الانتفاع- حرام)) يؤيد ما يختاره جمع من أهل العلم من أن الضمير يعود إلى البيع أول الحديث: ((إن الله ورسوله حرم بيع)) وآخر الحديث ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: ((قاتل الله اليهود، إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه)) تحايلوا على ارتكاب المحرم، وغيروا الاسم والحقيقة واحدة، الحقيقة لم تتغير إنما تغير الاسم، بدل ما هو شحم جامد أذابوه فصار مائعاً سائلاً، فتغير اسمه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه، وقالوا: ما بعنا الشحم، هم باعوا جميل، مذاب، ما باعوا شحم، فهم تحايلوا على ارتكاب المحرم بهذه الحيلة، وقد عرفوا بذلك، وقد جاء النهي عن التشبه بهم لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل، فهم أهل حيل، فعلوا مثل هذه الحيلة، وتحايلوا على الصيد، صيد السمك، فوضعوا الشباك يوم الجمعة فوقعت فيه الحيتان يوم السبت، واستخرجوها يوم الأحد، وقالوا: ما صدنا يوم السبت، وهم في الحقيقة تحايلوا على المحرم، وارتكبوا المحرم بهذه الحيل، ومن ذلك ما عندنا.