ذكرنا في مناسبات كثيرة أن طالب العلم إذا تأهل لهذا الأمر، واتجه إلى المختصرات يرجع إلى الأصول ويختصره بنفسه، فلو مثلاًَ عمد إلى صحيح البخاري، والكتاب مخدوم تذكر فيه أطراف الأحاديث فإذا قرأ الحديث الأول راجعه في جميع المواضع التي ذكره البخاري فيها، واقتصر بأوفى هذه الروايات، واطلع على الروايات الأخرى، وأثبت التراجم التي ترجم بها البخاري على هذا الحديث التي هي فقه الإمام البخاري، بل فقه أهل الحديث كم يستفيد من فائدة في عمله هذا؟! افترض أن صحيح البخاري يحتاج لمدة سنة ليختصر على هذه الطريقة، الحديث الأول خرجه البخاري في سبعة مواضع، يرجع إلى هذه المواضع السبعة، وينظر في تراجم البخاري عليها، وينظر في اختلاف المتون والأسانيد، وما ذكره البخاري وما سطره من أقوال الصحابة والتابعين حول هذا الحديث، وبيان هذه الترجمة، ثم بعد ذلك يقتصر على أوفاها، والحديث الثاني كذلك، والثالث كذالك، والرابع ... إلى آخر الكتاب، وطالب العلم قل: يحتاج إلى سنة لينهي الكتاب على هذه الطريقة، فيستفيد فوائد أعظم من قراءته للمختصر مائة مرة؛ ليكون علمه بما حُذف كعلمه بما أثبت، أما أن يعتمد على اختصار الناس واجتهادات الآخرين فقد يفوته شيء هو من وجهة نظر المختصِر ليس بمهم، وهو في الحقيقة في غاية الأهمية، وضربنا أمثلة على هذا في المقارنة بين الأصول والمختصرات، لو أن شخصاً أراد أن يقرأ في كتاب الرقاق من صحيح البخاري رأى العجب فيما يقرب من مائتي حديث ومائة وخمسين ترجمة، هي من أنفس ما يستنبط من هذه الأحاديث، لكن لو رجع إلى المختصر وجد عشرة أحاديث بدون تراجم، كيف يتصور الكتاب تصور كامل وقد اعتمد على المختصر؟ المختصِر ما حذف من المتون المرفوعة المسندة شيء، إنما اكتفى ببعضها دون بعض، وإذا مر عليه الحديث في كتاب العلم لم يعده في كتاب الرقاق، فصار هذا خلل في التصنيف، البخاري له مقصد من التكرر، التكرار في غاية الأهمية لطالب العلم، ولتعلموا أن البخاري -رحمه الله تعالى- لا يكرر الحديث في موضعين بسنده ومتنه دون فائدة زائدة إلا نادراً يعني في نحو عشرين موضع فقط، وأما في بقية المواضع التي هي يعني المكرر مثل غير المكرر، يعني