توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج: أحرموا بالحج، مقتضى ذلك أنهم بعد أن توجهوا إلى منىً أهلوا؛ لأن العطف بالفاء يقتضي التعقيب وأنهم أحرموا من منى، وعلى كل حال الإحرام بالحج يكون من الحرم، سواء كان من منى أو من غيرها، فيهلون بالحج.
وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر: الخمسة الأوقات في اليوم الثامن وليلة التاسع وفجر التاسع، ثم مكث قليلاً بعد صلاة الفجر؛ كعادته -عليه الصلاة والسلام- يذكر الله في مصلاه حتى طلعت الشمس.
فأجاز: وهو من الجواز والعبور. حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها بهذه القبة حتى إذا زاغت يعني زالت الشمس أمر بالقصواء -بفتح القاف والمد- وقال: بعضهم بالقصر، وهو لقب دابته -ناقته -عليه الصلاة والسلام- فرُحلت: وضع عليها الرحل.
فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس: وهذه خطبة من الخطب المشروعة في اليوم الثامن وقبلها بعد صلاة الظهر من اليوم السابع، وبعدها خطبة يوم النحر، وبعدها في يوم النفر الأول، أربع خطب مشروعة في الحج.
فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر بأذان واحد وإقامتين، ولم يصلِّ بينهما شيئاً؛ لأن هذا مقتضى الجمع أن لا يصلى بين الصلاتين المجموعتين.
ثم ركب -عليه الصلاة والسلام- حتى أتى الموقف: ويلاحظ أنه -عليه الصلاة والسلام- يركب بين المشاعر، من مشعر إلى مشعر يركب، وبهذا قال جمع من أهل العلم أن الركوب أفضل؛ لفعله -عليه الصلاة والسلام- وإن رأى بعضهم أن المشي أفضل؛ لأنه أكثر مشقة، لكن لنعلم أن المشقة ليست مطلوبة طلباً شرعياً لذاتها، وإنما إذا جاءت تبعاً للمطلوب شرعاً للعبادة صار الأجر على قدر النصب.
ثم ركب -عليه الصلاة والسلام- حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات من الجبل المعروف بجبل الرحمة.