((حبس عن مكة الفيل)): هذه القصة أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- إشارة هنا، ونزل فيها سورة كاملة، والإشارة هنا باعتبار أنها قضية استفاضت وانتشرت بينهم، ومثل هذه القصة التي تستفيض وتنتشر بين الناس، وتبلغ مبلغ التواتر الذي يفيد العلم القطعي يعبر عنها بالرؤية، كأنها مرئية عندهم، ولو لم يدركوها؛ لأن بعضهم ما أدركها، فجاء الخطاب بقوله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَر} [(1) سورة الفيل]، النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، وخوطب بهذا {أَلَمْ تَر}؛ وذلكم لأنها استفاضت واشتهرت، وعرفها الخاص والعام فصارت بمنزلة المشاهد في القطعية، وقل مثل هذا في ما حل بالأمم السابقة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] إلى غير ذلك من القصص التي تستفيض وتشتهر ويعرفها الخاص والعام، تنزل منزلة المشاهد.
قال: النبي –عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله حبس عن مكة الفيل))؛ لأنهم مفسدون، ((وسلط عليها رسوله والمؤمنين)) لأنه مصلح.
((وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار)): فقط، استثناء من الحكم العام؛ لأن الله -جل وعلا- حرم مكة، وجعلها حرماً بلداً آمناً.
وحرمها إبراهيم -عليه السلام- بتبليغ تحريم الله لها: {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا} [(126) سورة البقرة]، في آيتين: {اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا} و: {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [(35) سورة إبراهيم]، فيه فرق بينهما ولا ما فيه فرق؟
طالب:. . . . . . . . .
ما الفرق؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني اجعل هذا المكان قبل أن يكون بلداً يُجعل بلد موصوف بكونه آمن، فلما قامت بلدة متكاملة أشير إليها، فالإشارة في الأولى إلى المكان، وفي الثانية إلى البلد.
((وإنها لم تحل لأحد كان قبلي))؛ لأنها محرمة، ومقتضى التحريم ألا يسفك بها دم، وألا يختلى الخلا -الذي هو الحشيش الرطب- ولا ينفر الصيد، ولا تحل لقطتها وضالتها، إلا لمنشد، حيث لا يتملكها، كما جاء في الحديث وغيره.