يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بيان فضله، وبيان من فرض عليه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) جاء في الصلاة نظير ذلك ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) وفي رواية: ((ما لم تغش كبيرة)) ولنعلم أن هذه العبادات المكفرة المراد بها العبادات التي تؤدى على مقتضى نظر الشارع، بحيث يؤتى بها على المقتضى الشرعي بأركانها وشروطها وواجباتها، أما الصلاة التي لم يخرج منها صاحبها إلا بعشرها، ما الذي يرجى منها؟! هذه كما ألمح شيخ الإسلام إلى أنها إن كفرت نفسها فبها ونعمت، فلنحرص على أن نؤدي العبادات التي تؤتي ثمارها، وتترتب عليها آثارها، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، الصيام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] ومع ذلك بعد أن يسلم من صلاته يزاول المحرمات، هل هذا خُلْفٌ في الخبر؟ لا؛ لكن المراد بالصلاة الصلاة التي أديت كما أمر بإقامتها، والصيام المورث للتقوى هو الذي يؤدى بواجباته وآدابه وسننه، ليس المراد من الصيام مجرد الإمساك، ثم بعد ذلك افعل ما شئت، ذكرنا في الدورة الماضية أن ممن اعتزل الدنيا على حد زعمه، وانقطع وتفرغ للعبادة من يفطر على الخمر، هل هذا الصيام يورث التقوى؟ لا والله، الصلاة التي ينشغل صاحبها عنها بالتخطيط لبعض الأمور المحرمة، أما الأمور المباحة قد لا يسلم منها أحد، القلب لا بد أن يعمر بذكر الله --جل وعلا-- لكي يقبل على الله، أما إذا عمر بالقيل والقال والشبهات والمكروهات والاسترسال في المباحات فضلاً عن المحرمات ينشغل؛ لأن القلب ما سمي قلب إلا لتقلبه، تحرص أشد الحرص على أن يجتمع قلبك في أضيق الظروف والأحوال في ليالي العشر وأنت معتكف ما تستطيع، تريد أن تجمع قلبك وتستحضر الذكر والصلاة والتلاوة ما تجد شيء؛ لأنك طول العام في القيل والقال، ومثل هذا لا يعان على اجتماع القلب، فمثل هذه العبادات التي فيها هذا الانصراف القلبي يندر أن تترتب عليها آثارها، يترتب عليها بقدر ما يستحضر منها، وما عدى ذلك فات الشخص تسعة أعشار الأجر، تسعة أعشار صلاته هذه