لأن امرأة يترقب خروجها من العدة ليتزوجها، يمكن يشهد هذه أمور دنيا، ولذلك يشدد في أمرها؛ لأن فيها مجال للتلاعب، فيطلب لها أكثر من شاهد، ولما كان شهر الصيام شهر العبادة يتعاظم الناس الشهادة للرؤية من غير رؤية حقيقية اكتفي بالواحد، وأيضاً هو احتياط للعبادة، لو أهدرنا شهادة الواحد يمكن يضيع علينا يوم من رمضان، فمن باب الاحتياط للعبادة قلنا يدخل الشهر بواحد ولا يخرج إلا باثنين كغيره من الشهور؛ فالحديث دليل على العمل بخبر الواحد، والنصوص القطعية متضافرة على وجوب العمل بخبر الواحد؛ لأننا ألحقناه بالأخبار هنا، لا بالشهادات، بقية الأشهر شهادات؛ لأنه يترتب عليها أمور دنيوية لا تثبت إلا باثنين، فكذلك وسائلها لا تثبت إلا باثنين، فهذا خبر يخبر بدخول الشهر فيكفي واحد.
جاء في حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، إلا أن يشهد شاهدان)) مفهومه أن الواحد لا يكفي، لكن حديث ابن عمر من حيث الصناعة أقوى منه، مع ما يشهد من حديث الأعرابي، هذا من جهة، الأمر الثاني: أن دلالة الحديث إلا أن يشهد شاهدان بمفهومه، مفهومه أنه لا يكفي الواحد، وهو معارض بمنطوق حديث ابن عمر، ولا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- ((أن أعرابياً)) منسوب إلى الأعراب، نسبة إلى الجمع على خلاف الأصل لكنه جرى مجرى العَلَم فصحت النسبة إليه، ((جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم)) فعلى هذا هو مسلم ثبت إسلامه، ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- فثبتت صحبته فهو صحابي تشمله عموم النصوص التي تزكي الصحابة، فلا يقال أنه شخص مجهول لم يعرف منه إلا أنه نطق بالشهادة، جهالة الصحابي لا تضر، ((قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً))، وقلنا أن هذا الحديث لا يسلم من ضعف إلا أنه يشهد له حديث ابن عمر، ويقبل مثله في باب الاستشهاد وإن لم يعتمد عليه بمفرده.