وعن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى عن النعي، والحديث لا بأس به حسن، ينهى عن النعي، والحديث الذي يليه من حديث أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي، ينهى ونعى، لا شك أن الذي فعله غير الذي نهى عنه، النعي هو الإخبار بالموت، وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بموت النجاشي، فمجرد الإخبار من أجل أن يجهز الميت ومن أجل أن يصلى عليه ومن أجل أن يبادر بقضاء ديونه واستفاء حقوقه، هذا مجرد إخبار لا بأس به، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نعى لهم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وأخبرهم ليجتمعوا فيصلوا عليه، هذا مجرد إخبار، لكن النعي الذي جاء النهي عنه ما كانت الجاهلية تفعله من رفع الصوت في أفواه السكك والطرقات ألا أن فلان بن فلان وبعث البعوث إلى القبائل، ألا أن فلان بن فلان قد مات، ثم بعد يحصل ما يحصل من بيان محاسنه والنياحة عليه، المقصود أن مثل هذا الذي لا يترتب عليه هدف شرعي هو الداخل في الذم، وهو ما كانت الجاهلية تفعله، وأما إذا كان الإخبار والنعي لمجرد الاجتماع للصلاة عليه وتوفية حقوقه، وقضاء ديونه، وتعزية أهله، لا بأس به، والذي يعلن في الصحف أحياناً ويصدر بما يدل على التركية {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [(27) سورة الفجر] هذه تزكية لا تجوز، هذا حكم له، لا يجوز مثل هذا، والإعلان عنه في الصحف والأمور بمقاصدها إن كان له علاقات طويلة، وأعمال مبعثرة، لا يمكن تبليغ من له به صلة إلا بهذه الطريقة، وكان هذا هو الهدف فيجوز منه ما يحقق هذا الهدف، أما حجز الصفحات الأولى من الجرائد أو الصفحات الكاملة بالألوف المؤلف لا شك أن هذا تبذير، لكن لو وضع خبر صغير بإعلان وفاته، وأن من له عليه حق فليتقدم على أو إلى كذا، هذا هو الصحيح، أما أن تعلن وفاته في الصفحات الكاملة، وتتقبل التعازي فيه في صفحات من أجل المباهاة هذا لا يجوز هذا هو المنهي عنه، فعرفنا أن الإخبار حكمه يتبع ما يحققه، فإن كان يحقق للمخبر المباهاة وليقال: إنه صلى عليه الجماهير الغفيرة، وأنه تناقل خبر وفاته الناس، مثل هذا لا شك أنه ينهى عنه، أما إذا كان لاجتماع أهله وذويه ومعارفه وأحبابه