بعد هذا حديث أنس -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس, وهو أعمى"، استخلف النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن أم مكتوم على المدينة مراراً إذا خرج لغزو استخلف ابن أم مكتوم، أوصلها بعضهم إلى ثلاثة عشرة مرة، استخلاف النبي -عليه الصلاة والسلام- لابن أم مكتوم، مناسبة هذا الحديث للباب إمامة ابن أم مكتوم وهو أعمى الناس المبصرين، ولا خلاف في جواز إمامة الأعمى، لكن الخلاف في الأفضل، أيهما أفضل إمامة الأعمى أو إمامة المبصر؟ لا شك أن الحديث دليل على صحة إمامة الأعمى من غير كراهة؛ لأن هذا فعله -عليه الصلاة والسلام-، المفاضلة بين المبصر وبين الأعمى بين أهل العلم موجودة، من أهل العلم من يفضل الأعمى؛ لأن ذهنه لا يتشوش بسبب ما يراه، ذهنه محصور، ولذا يستحب بعضهم أنه إذا كان تغميضه عينيه أجمع لقلبه يغمض عينيه وهو يصلي، وإن كان القول المحقق أنه لا يغمض عينيه؛ لأن هذا من فعل من؟ اليهود، على كل حال إذا كان أعمى ما يحتاج يغمض عينيه، إذا كنا نطلب من المبصر أن يغمض عينيه ليجتمع قلبه ولا يتشوش ولا يتشتت ذهنه فالأعمى متوفر من غير مشابهة يهود، وهذه حجة من يفضل إمامة الأعمى على المبصر، ومنهم من يرى العكس، المبصر أفضل في الإمامة من الأعمى؛ لأنه يخرج من عهدة النجاسات بيقين، يزيل النجاسة بيقين، يستنجي بيقين، يسبغ أعضاء الوضوء بيقين، قد يتلبس بنجاسة وهو لا يشعر الأعمى، بخلاف المبصر، وعلى كل حال أصل المسألة أن لا مفاضلة ولا ممايزة، لكن كل إنسان بحسبه، بعض العميان أحرص من المبصرين، يخرج من عهدة الواجبات بيقين، ويتوقى المحرمات والنجاسات بيقين، هذا يرجع إلى حرصه، وبعض الناس لا يكترث ولو كان مبصراً، فكل إنسان بحسبه، ولا يرجح بوجود البصر أو بفقده، النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام وهو مبصر، واستخلف ابن أم مكتوم وهو أعمى، فدل على جواز الأمرين من غير مفاضلة، المفاضلة في الأمور المترتبة على وجود البصر أو على فقده، وكل إنسان بحسبه.