قال رحمه الله تعالى: [والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا: إنه في كل مكان، وكان مما أنكروه عليهم أنه كيف يكون في البطون والحشوش والأخلية؟ تعالى الله عن ذلك، فكيف بمن يجعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار؟ واتفق سلف الأمة وأئمتها أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وقال من قال من الأئمة: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.
وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء؟ فإن هؤلاء غاية كفرهم أن يجعلوه مثل المخلوقات، لكن يقولون: هو قديم وهي محدثة، وهؤلاء جعلوه عين المخلوقات، وجعلوه نفس الأجسام المصنوعات، ووصفوه بجميع النقائص والآفات التي يوصف بهما كل كافر، وكل فاجر، وكل شيطان، وكل سبع، وكل حية من الحيات، فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم، وسبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
والله تعالى ينتقم لنفسه ولدينه ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين منهم.
وهؤلاء يقولون: إن النصارى إنما كفروا لتخصيصهم، حيث قالوا: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} [المائدة:17]، فكل ما قالته النصارى في المسيح يقولونه في الله، وكفر النصارى جزء من كفر هؤلاء.
ولما قرءوا هذا الكتاب المذكور على أفضل متأخريهم، قال له قائل: هذا الكتاب يخالف القرآن، فقال: القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا هذا.
يعني: أن القرآن يفرق بين الرب والعبد، وحقيقة التوحيد عندهم أن الرب هو العبد، فقال له القائل: فأي فرق بين زوجتي وبنتي إذاً؟ قال: لا فرق، لكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام، فقلنا: حرام عليكم.
وهؤلاء إذا قيل في مقالتهم: إنها كفر، لم يفهم هذا اللفظ حالها، فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة، بل كفر كل كافر جزء من كفرهم، ولهذا قيل لرئيسهم: أنت نصيري، فقال: نصير جزء مني، وكان عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وهؤلاء شر من أولئك الجهمية؛ فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كل مكان، وهؤلاء قولهم: إنه وجود كل مكان، ما عندهم موجودان، أحدهما حال والآخر محل].