قال رحمه الله تعالى: [وذلك أن الأنبياء عليهم السلام دعوا الناس إلى عبادة الله أولاً بالقلب واللسان، وعبادته متضمنة لمعرفته وذكره].
هذه القاعدة الأولى، وهي قاعدة ذهبية ومعلومة بالضرورة وبدهية جداً، وهي: أن الأنبياء عليهم السلام بما فيهم النبي صلى الله عليه وسلم إنما دعوا الناس إلى عبادة الله، وهؤلاء الفلاسفة والمتكلمون ما دعوا الناس إلا إلى أمور نظرية فلسفية معقدة لا أصل لها، وتنفر منها الفطرة والعقل السليم، غاية دعوتهم أن يؤمن الناس بوجود الله، والناس ليس عندهم مشكلة في هذا الأمر، وأن الله واحد، وأن الله هو الرب، وليس عند الناس مشكلة في هذا الأمر.
ولا يعرجون على توحيد العبادة، ومن شاء فليقرأ كتبهم؛ حتى لا يظن أنا نفتري أو نفتئت عليهم، فمن شاء فليقرأ أي نموذج من نماذج كتب المتكلمين خاصة، فإنه سيجد فيها إعراضاً عن دعوة الأنبياء إلى عبادة الله، ولا يعرج على هذه المسألة إلا عندما يتكلم عما يسميه التصوف، أو عن أمور عارضة ليست هي الأصل عنده، أما ما يرى أنه واجب فإنما هو توحيد الربوبية فقط، ونحن نقرُّ بأن هذا واجب، لكن نعلم أن الله عز وجل كفانا أمرهم بفطر العقول على ذلك والنفوس والقلوب، وبتقرير ذلك أيضاً في الكتاب والسنة دون عناء ولا كلفة.
ثم قال: (أولاً بالقلب) يعني: عبادة الله بإصلاح القلوب، وإصلاح الألسن الذي ينتج عنه صلاح الأعمال كما سيأتي.