معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر)

قال رحمه الله تعالى: [سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر)، فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية: بينوا لنا ذلك؟ فأجاب: الحمد لله، قوله: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر) مروي بألفاظ أخر، كقوله: (يقول الله: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر؛ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، وفي لفظ: (لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر يقلب الليل والنهار)، وفي لفظ: (يقول ابن آدم: يا خيبة الدهر، وأنا الدهر).

فقوله في الحديث: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، يبين أنه ليس المراد به أنه الزمان، فإنه قد أخبر أنه يقلب الليل والنهار، والزمان هو الليل والنهار؛ فدل نفس الحديث على أنه هو يقلب الزمان ويصرفه، كما دل عليه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} [النور:43] {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ} [النور:44]، وإزجاء السحاب: سوقه، والودق: المطر.

فقد بين سبحانه خلقه للمطر، وإنزاله على الأرض؛ فإنه سبب الحياة في الأرض، فإنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي، ثم قال: (يقلب الله الليل والنهار)، إذ تقليبه الليل والنهار تحويل أحوال العالم بإنزال المطر، الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن؛ وذلك سبب تحويل الناس من حال إلى حال، المتضمن رفع قوم وخفض آخرين.

وقد أخبر سبحانه بخلقه الزمان في غير موضع، كقوله: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1].

وقوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:33].

وقوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان:62].

وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190] وغير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان.

ولا يتوهم عاقل أن الله هو الزمان؛ فإن الزمان مقدار الحركة، والحركة مقدارها من باب الأعراض والصفات القائمة بغيرها؛ كالحركة والسكون والسواد والبياض.

ولا يقول عاقل: إن خالق العالم هو من باب الأعراض والصفات، المفتقرة إلى الجواهر والأعيان، فإن الأعراض لا تقوم بنفسها، بل هي مفتقرة إلى محل تقوم به، والمفتقر إلى ما يغايره لا يوجد بنفسه، بل بذلك الغير، فهو محتاج إلى ما به في نفسه من غيره، فكيف يكون هو الخالق؟ ثم أن يستغني بنفسه، وأن يحتاج إليه ما سواه، وهذه صفة الخالق سبحانه، فكيف يتوهم أنه من النوع الأول].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015