الشرعة والمنهاج الإسلاميان وبيان التوحيد الصحيح الذي يشير إليه علماء الاسلام

قال رحمه الله تعالى: [وهذا هو الدين الجامع العام الذي اشترك فيه جميع الأنبياء، والإسلام العام والإيمان العام، وبه أنزلت السور المكية، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13].

وبقوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45].

وبقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]؛ ولهذا ترجم البخاري عليه: باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد.

وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62]، فجمع في الملل الأربع من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً، وذلك قبل النسخ والتبديل].

استدل الأئمة العلماء بهذه الآية على أن الصابئين من الأمم الكتابية، أو أن عندهم شبهة كتاب، فبالتالي يعاملون معاملة اليهود والنصارى في أحكام الذمة، ويلحقون بأهل الكتاب، وهم ذكروا على أن منهم طوائف صالحة، وهم الذين آمنوا يعني: المسلمين، (إن الذين هادوا والنصارى والصابئين) فهنا ذكر الصابئين على أن منهم من آمن، وأنهم يؤجرون على هذا الإيمان، ففيه دلالة غير مباشرة على أن أصل دين الصابئة قبل التحريف كان على التوحيد، وقد أشار بعض الباحثين على أن الصابئة مرت بمراحل: مرحلة ما قبل إبراهيم عليه السلام، كانت الصابئة على الشرك الخالص، وهم الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام، ثم إنهم بعد ذلك آمن منهم أناس برسالة إبراهيم، وبقي وصفهم على أنهم صابئة وهم على التوحيد، ثم حرفت ديانتهم بعد ذلك، وهم من أشار إليهم القرآن هنا من المؤمنين من الصابئة الذين بقوا على دين إبراهيم فهؤلاء لهم أجرهم، حتى دخل التحريف هذه الديانة.

هذه كلها ليس عليها أدلة قاطعة، إلا أن هناك إشارة إلى أن هذه الديانة كان فيها من هم على استقامة، وهي إشارة واضحة لا تحتاج إلى تكلف، لكن هل الصابئة على أكثر من معنى: صابئة موحدة، وصابئة مشركة، الله أعلم، هذا أمر يحتاج إلى تحقيق.

والفناء المحمدي هو المقام الثالث.

قال رحمه الله تعالى: [وخص في أول الآية المؤمنين، وهو الإيمان الخاص الشرعي الذي قال فيه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] والشرعة: هي الشريعة، والمنهاج: هو الطريقة، والدين الجامع: هو الحقيقة الدينية، وتوحيد الربوبية: هو الحقيقة الكونية، فالحقيقة المقصودة الدينية الموجودة الكونية متفق عليها بين الأنبياء والمرسلين].

بعض الباحثين يتشدد في مسألة استعمال المنهج في الجمع: المناهج، ويرى أنه لا يجوز في مذاهب السلف أن نسميها: مناهج؛ لأنها ليست متعددة، والحقيقة أن هذه أمور ترجع إلى المقصود وإلى الاصطلاح، فالصحيح أنه يجوز استعمال المنهج على مناهج، وإن كان المقصود به التعبير عن مذهب السلف أهل السنة والجماعة؛ لأننا إن عبرنا عن مذهب أهل السنة والجماعة مذهب السلف الصالح في الجملة فلا بد أن نفرده ونقول: منهج، ولا نقول: مناهج، لكن إذا قصدنا بالمناهج طرائق السلف في تقرير الدين والدفاع عنه، والأمور التي تتعلق بالبيان وعرض الدين، فلا مانع من أن تسمى مناهج، ويقال: مناهج السلف، أي: طرائقهم واجتهاداتهم الفردية في بيان الدين وتقريره، والأمر في ذلك واسع؛ لأنه جاء في قوله عز وجل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] إشارة واضحة إلى أن مجموع ما أرسل الله به النبيين من الكتب المنزلة والشرائع يسمى شرائع، ويسمى مناهج؛ لأن نسبة الشرعة والمنهاج في الأمة الواحدة تقابلها نسبة الشرائع والمناهج لمجموع الأمة، هذا أمر لا حرج فيه، ولا ينبغي أن يبغي أحد على آخر، أقول هذا لأني رأيت لبعض الباحثين تشدداً في هذا الأمر، وأحياناً يبني على مخالفة رأيه تضليلاً وتبديعاً وربما براء، وهذا في الحقيقة فيه شيء من العنت والتشديد على الناس، وهناك أشياء كثيرة من هذا الصنف، مثل: مسألة: العذر بالجهل، ومسألة: جمع المناهج كما أسلفت، ومسالة: وسائل الدعوة وأساليب الدعوة هل هي اجتهادية أو غير اجتهادية؟ فهذه مسائل في الحقيقة يسع فيها الخلاف بتفاصيلها، وإن كان الأصل أن نتفق على أصولها، لكن في تفاصيلها في التعبير عنها هذه أمور يسع فيها الخلاف، ولا ينبغي لأحد أن يتشنج ويضلل المخالف المجتهد من طلاب العلم الموثوقين، الذين لا يتهمون بالابتداع، أو بلزوم المناهج الباطلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015