قال رحمه الله تعالى: [وخالف في حقيقته قوم من الملحدة المنافقين، المضارعين للصابئين ومن وافقهم، والمضارعين لليهود والنصارى، من الجهمية، أو من فيه تجهم، وإن كان الغالب عليه السنة].
يقصد بمن فيه تجهم متكلمة الأشاعرة والماتريدية والكلابية، فهؤلاء ليسوا جهمية ولا ملاحدة ولا منافقين، لكن فيهم تجهم، وهذا التجهم أدى بهم إلى الدخول في هذه المتاهات، وعدم تحرير التوحيد على وجه شرعي بألفاظ شرعية كما هو مذهب السلف، وصاروا يقررون التوحيد بألفاظ أحياناً ينكرون فيها معاني المحبة، فأهل الكلام أو بعضهم عكس أهل الاتحاد والحلول تماماً؛ لأن أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود بالغوا في الزندقة، أما بعض المتكلمين المنتسبين للسنة فقد أنكروا بعض الأمور التي تتعلق بأفعال الله عز وجل، وأحواله مع عباده، مثل: المحبة، والرضا، والقرب ونحو ذلك.
قال رحمه الله تعالى: [فتارة ينكرون أن الله يخالل أحداً، أو يحب أحداً، أو يواد أحداً، أو يكلم أحداً، أو يتكلم، ويحرفون الكلم عن مواضعه؛ فيفسرون ذلك تارة بإحسانه إلى عباده، وتارة بإرادته الإحسان إليهم، وتارة ينكرون أن الله يحب أو يخالل.
ويحرفون الكلم عن مواضعه في محبة العبد له؛ بأنه إرادة طاعته، أو محبته على إحسانه].
أي: أنهم يفسرون المحبة بالإحسان إلى العباد، أو بإرادة الإحسان وبالإنعام، وكذلك المودة قد يفسرونها بلطف الله بعباده، وبإحسانه إليهم، وبإرادة الإحسان، ثم ينكرون أن الله عز وجل يحب من يشاء من عباده أو يخالل، وهذه أول من فتقها وابتدعها في الأمة أوائل الجهمية: الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، ثم صارت مذهباً لكثير من طوائف المتكلمين.