إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: فبعون الله وتوفيقه نستأنف درسنا، وأحب أن أنبه -قبل أن نقرأ في الفتاوى- إلى موضوع سبق أن ذكرت بأني سأشرع فيه، وهو محاولة تأصيل بعض القضايا التي أثارتها تلكم النابتة المريبة الغريبة، التي بدأت تتكلم في أصول السلف ومناهجهم.
بل بدأت تستهدف هزَّ المسلمات والقطعيات من الدين، ابتداءً من مصادر التلقي: الوحي، والتشكيك في السنة وأسانيدها وفي رجالها، ثم أيضاً في الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعضهم، ثم في الطعن في دين السلف وذممهم وأمانتهم، ونسبة الأهواء والظلم -بل وربما خيانة الدين- إليهم.
وأستتبع ذلك ذكر تعاطف هذه النابتة مع الفرق وأهل الأهواء والبدع، والتباكي عليها، ودعاوى أنهم ظلموا، وأن ما يسمى بعقيدة السلف إنما هو قناعات أفراد هم عملاء للسلاطين ونحو ذلك مما عرفتموه مما أثارته هذه النابتة؛ مستغلة هذا التداعي العجيب والسريع ضد السنة وأهلها على مستوى العالم، لا سيما في الفضائيات، فقد استغلت هذه النابتة الفرصة، فبدأت تهز كيان مجتمعنا المسلم السني من داخله، لا سيما وأن طائفة منهم يدعون أنهم منا، وهم -كما قلت لكم- مدُّوا لنا الشمال من وراء ظهورهم ويصفعوننا باليمين.
وقد شرعت -بحمد الله- في تأصيل بعض المسائل التي بدءوا يشككون أجيالنا بها، وغرهم بها طائفة من شبابنا الجاهلين بأصول السلف، ومن مثقفينا المغرورين، وغيرهم ممن تعاطفوا معهم، وانضموا إلى خنادقهم.
ولي أمل بأن أطرح أهم القضايا التي بحثتها خلال الإجازة في هذا الموضوع في هذا الدرس.
وسبب الطرح لا يعني أني انتهيت إلى غاية البحث الذي في نفسي، لكن من أجل أن أفتح للإخوة أبواب البحث في هذه الموضوعات، والرد على هؤلاء الذين هجموا على السنة وأهلها هذه الهجمة الشرسة في هذه الظروف الصعبة، واستغلوا هذا الوقت الحرج.
فأنا سأطرح الموضوعات التي كتبتها، وما تيسر لي كتابته هو على شكل مسودة لم تنضج بعد؛ لأنه لم يسعفني الوقت لإكمال موضوعاتها، لكني وضعت الأسس التي في نفسي؛ وسأطرح هذا الموضوع إن شاء الله من خلال هذا الدرس على الإخوة الحاضرين، وعلى غيرهم ممن سيسمع الأشرطة بإذن الله؛ لعلنا نتعاون في درء هذه الفتنة، وبيان فساد منهجها وأسلوبها، لا سيما أنها إلى الآن تدعي العلمية والموضوعية، لا سيما في الفضائيات والإنترنت والمنشورات، بل ويدعون أنهم طرحوا أشياء لم يستطع أهل السنة الجواب عليها، وهذه إحدى الكبر، ينبغي ألا نخذل الحق، وإن كان الحق منصوراً بإذن الله، لكن ليس من الخير لنا أن ينصر الحق على غير أيدينا، ففي هذه الظروف التي نواجه فيها هذه الهجمات الشرسة على السنة، وليس فقط على السنة وأهلها، بل على وحدة هذه البلاد، واجتماع شملها، فظهر لي من خلال الذين أسهموا في تأييد هذه النابتة أنهم لا يخلون من أحد أمرين: أولاً: الحسد.
الثاني: الملل من النعمة، ويظهر أنه ظهر فيها جيل ملَّ نعمة الأمن والرخاء والاستقرار، بل ونعمة الخير والسنة.
فمن نتائج الرخاء دائماً أن تظهر طوائف وأجيال يعيشون النعمة فلا يقدرونها حق قدرها؛ فصاروا يثبون إلى مثل هذه المنافذ التي تطعن في كيان الأمة والمجتمع.
على أي حال إن شاء الله سأطرح هذه القضايا من خلال الدرس، وفي وقتها أنبه على كل مسألة على عناصرها الرئيسية، وكيفية الإسهام في مثل هذه الموضوعات، نسأل الله للجميع التوفيق.
والآن نستأنف درسنا في شرح الفتاوى، وكما ذكر سابقاً أننا سننتقي من آخر هذا المجلد انتقاءات الأمور غير المكررة، ونتفادى المحارات الكلامية، والأمور الفلسفية التي تتعب الذهن ولا نصل فيها إلى نتيجة؛ لأن المقصود هو الرد على قوم ابتلوا بمثل هذه المصائب، ونحن -بحمد الله- في عافية من مصائب الاتحاد والحلول ووحدة الوجود.
فـ شيخ الإسلام هنا سيذكر أهم وجوه الباطل عند أصحاب وحدة الوجود، ووجه الحق الذي ينبغي أن يعرفه المسلم.