بسم الله.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
وبعد.
بعون الله وتوفيقه نستأنف درسنا ونبدأ في الفتاوى المجلد الثاني، وسنقرأ اليوم من صفحة 414.
لا يزال الشيخ يتحدث عن أصحاب الحول والاتحاد ووحدة الوجود، وبيان كفرهم بالله عز وجل فيما ذهبوا إليه، وينقض أقوالهم بالأدلة العقلية والنقلية.
قال رحمه الله تعالى: [فصل.
وأما كفرهم بالمعبود، فإذا كان لهم في بعض المخلوقات هوى فقد يعبدونه بشبهة الحلول أو الاتحاد الفاسد، مثل: من يعبد الصور الجميلة، ويقول: هذا مظهر الجمال، أو الملك المطاع الجبار، ويقول: هو مظهر الجلال، أو مظهر رباني ونحو ذلك].
(مظهر الجلال) يزعمون أنه دلالة على الاتحاد، وكذلك (مظهر رباني) يعني: في المخلوق، فيزعمون أن الخالق تمثل بهذه الأمور، فيعبدونها من دون الله على أنها هي هو، أو مظهر من مظاهره، وهو إما اعتقاد لوحدة الوجود، وأن هذه الأشياء هي مظاهر لصفات الله في الخلق، أو أنها تمثلت فيها حقيقة ذات الله، أو أنهم أعطوها صفة القداسة، على أنها تختص ببعض خصائص الله عز وجل، فعلى الوجهين كل ذلك شرك؛ لأن الذين يعبدون هذه الأمور يقدّسون الصور الجميلة، أو يقدسون من يعظمونه إما لقوته أو لجماله أو لأي نوع من أنواع التعظيم، فهؤلاء على درجات كما سيأتي بيانه.
منهم: من يعبد هذه الأشياء على أنها هي الله، وهم أصحاب وحدة الوجود، أو أنها حلّت فيها بعض صفات الله، وهؤلاء أصحاب الحلول، أو أنها أيضاً مشتملة على خصائص الله عز وجل اشتمالاً كاملاً، وهؤلاء أصحاب الاتحاد.
قال رحمه الله تعالى: [وليس في هذه المخلوقات نوع من الاتحاد أو الحلول الحق، لكن يشبه ما فيه الحق من جهة؛ إذ كلاهما بالله ومن الله، وأنه لله؛ ولهذا يسوي بينهما أهل الحلول والاتحاد المطلق، كما سنبينه إن شاء الله.
فهؤلاء الاتحادية والحلولية الذين يخصونه ببعض المصنوعات التي ليس فيها عبادة وإثابة].
يعني: الاتحادية الذين لا يفرقون بين الله وبين خلقه، والحلولية أصحاب الحلول الجزئي الذين يرون أن الخلق حل فيه جزء من الإله، تعالى الله عما يزعمون.
قال رحمه الله تعالى: [هم فرع على أولئك، ليس معهم من الحق شيء ولا شبهة حق، كما مع أولئك ألفاظ متشابهة عن بعض الأنبياء والصالحين، ولكن مع هؤلاء قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] و {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]، وقول الدجال: (أنا ربكم) ونحو ذلك.
فهذه الألفاظ التي معهم من ألفاظ الكفار والمنافقين، ومعهم تشبيه الكونيات بالدينيات، والكونيات عامة لا اختصاص فيها؛ فلهذا كان هؤلاء أدخل في الاتحاد والحلول المطلق منهم في المعين اعتقاداً وقولاً].
(أدخل) يعني: أظهر.
قال رحمه الله تعالى: [وإن كانوا من جهة الحال والهوى يخصون بعض الأعيان، كما هو الواقع لشبهة اختصاصه ببعض الأحكام الكونية، وسنتكلم عليهم إن شاء الله في الحلول الفاسد.
وإنما ذكرتهم هنا لما أردت أن أذكر كل ما فيه شوب اتحاد أو حلول بحق، فنبهت على ذلك؛ ليفطن لموضع ضلالهم، فإذا علم حقيقة هذه الأمور عُلم حقيقة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أصدق كلمة قالها الشاعر: كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل).
فإن الباطل ضد الحق؛ والله هو الحق المبين].
قبل أن نتجاوز هذه المسألة يحسن أن نضرب أمثلة لمن قصدهم الشيخ هنا؛ لأن هذه الفرق الضالة التي ظهرت في القرن الثاني والثالث والرابع وما بعده موجودة الآن، هذه المذاهب التي تعتقد الحلول الجزئي أو الحلول الكلي موجودة في عصرنا.
أما أصحاب الحلول الكلي أو الاتحاد الكلي فهؤلاء هم الباطنية وغلاة الفلاسفة، كـ ابن عربي والقونوي والسهروردي وابن الفارض وابن سينا، فهؤلاء يعتقدون الحلول الكلي، وأول ما أعلن ذلك هم الفلاسفة الذين يسمون بالإسلاميين، والإسلام منهم براء، وأصحاب الحلول الجزئي، هم أمثال: الحلاج ومن سلك سبيله من الصوفية، وغالب الصوفية أصحاب حلول جزئي، يعتقدون في الأولياء بعض خصائص الإلهية، وليس كل خصائص الإلهية، ويتفاوتون بذلك تفاوتاً كبيراً، فمنهم من يرى أن الأولياء لهم تدبير في الربوبية مع الله عز وجل، ويعتقدون أن لهم قدرات جزئية في ذلك.
ومنهم من يعتقد أنهم يعلمون الغيب.
ومنهم من يعتقد أن فيهم روحاً مقدسة أو عقولاً مقدسة أو نحو ذلك، على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم فهم يتفاوتون، لكن سائر غلاة الصوفية يعتقدون الحلول الجزئي.
وكذلك الرافضة يعتقدون في الأئمة الحلول الجزئي، فهم يعتقدون أن أئمتهم اشتملوا على بعض خصائص الألوهية أو الربوبية، أو هما معاً وهو الغالب.
قال رحمه الله تعالى: [فإن الباطل ضد الحق والله هو الحق المبين.
والحق له معنيان: أحدهما: الموجود الثابت، والثاني: المق