فصل في كون الله في قلب العبد بالمعرفة وموافقته لربه فيما يحبه

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فيقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [فصل.

فهذان المعنيان صحيحان ثابتان، بل هما حقيقة الدين واليقين والإيمان.

أما الأول: وهو كون الله في قلبه بالمعرفة والمحبة، فهذا فرض على كل أحد، ولا بد لكل مؤمن منه، فإن أدى واجبه فهو مقتصد، وإن ترك بعض واجبه فهو ظالم لنفسه، وإن تركه كله فهو كافر بربه].

يعني: هذا فيما يتعلق بالأحوال القلبية التي أساسها المعرفة بالله عز وجل والمحبة لله، والمحبة لا بد أن ينتج عنها الرجاء والخوف والخشية وسائر الأحوال القلبية، فهو يقول: إن قلب العبد لا بد أن تتحقق فيه المعرفة والمحبة لله عز وجل، وهذا فرض لا يعذر به أحد؛ لأن الواجب على الإنسان أن يعمل ما يستطيعه من الأعمال المفروضة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، هذا بالنسبة للأعمال، أما بالنسبة للأمور القلبية فهي أحوال لا يعذر بها أحد؛ لأنها أمور لا تحتاج إلى جهد، إنما هي ما يقر في القلب من الإيمان الذي أساسه المحبة والخشية والرجاء، فلا أحد يعذر في أن يكون في قلبه المحبة الكاملة لله عز وجل، وهذا فرض على كل أحد، ولا بد لكل مؤمن منه، فإن أدى واجبه في محبة الله فهو مقتصد، وإن ترك بعض واجبه تجاه محبة الله عز وجل فهو ظالم لنفسه، وإن ترك ذلك كله فهو كافر، إذا لم يكن في قلبه أدنى ذرة من الإيمان، أو لم يكن في قلبه أدنى ذرة من المعرفة والمحبة لله عز وجل.

قال رحمه الله تعالى: [وأما الثاني: وهو موافقة ربه فيما يحبه ويكرهه، ويرضاه ويسخطه، فهذا على الإطلاق إنما هو للسابقين المقربين، الذين تقربوا إلى الله بالنوافل التي يحبها ولم يفرضها، بعد الفرائض التي يحبها ويفرضها، ويعذب تاركها].

يعني: الأول يتعلق بالأحوال القلبية، والثاني يتعلق بما ينبعث من الأحوال والأعمال القلبية من أعمال الجوارح، والتسليم لله عز وجل والطاعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015