الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلا زلنا في مسألة تحقيق العبودية، وقد تناولنا في الفصل السابق بيان حقيقة العبودية وبيان أوجه تحقيقها، وقد ذكر الشيخ كثيراً من هذه المسائل، ثم توقف عند توحيد الله وإخلاص الدين له في عبادته، وأن ذلك من أعظم مباني العبودية.
قال رحمه الله تعالى: [وتوحيد الله، وإخلاص الدين له في عبادته واستعانته، في القرآن كثير جداً].
سيبين الشيخ هنا أن من معاني الإخلاص عدم الإشراك بالله عز وجل، وخاصة أن أهل البدع قد يفهمون أن معنى الإخلاص: مجرد حسن النية دون الاتباع والاستقامة، أو ربما يفهمون معنى الإخلاص: تجريد الأمر لله عز وجل ولو كان العمل مخلاً بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان العمل صحيحاً، بمعنى: أنهم قد يلجئون إلى غير الله عز وجل، استعانة أو استغاثة أو غيرها، ويدّعون أنهم يخلصون الدين لله، فالشيخ هنا يبين أن معنى إخلاص الدين لله عز وجل: ألا تصرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره سبحانه وتعالى.
قال رحمه الله: [بل هو قلب الإيمان، وأول الإسلام وآخره، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)، وقال: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عند الموت أحد إلا وجد روحه لها روحاً)، وقال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة)، وهو قلب الدين والإيمان].
قوله (وهو) يعني: الإخلاص.
ثم قال رحمه الله: [وسائر الأعمال كالجوارح له، وقول النبي صلى الله عليه، وآله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فبيّن بهذا أن النية عمل القلب وهي أصل العمل، وإخلاص الدين لله، وعبادة الله وحده، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
ولهذا أنكرنا على الشيخ يحيى الصرصري ما يقوله في قصائده في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستغاثة به، مثل قوله: بك أستغيث وأستعين وأستنجد ونحو ذلك.
وكذلك ما يفعله كثير من الناس، من استنجاد الصالحين والمتشبهين بهم، والاستعانة بهم أحياء وأمواتاً، فإني أنكرت ذلك في مجالس عامة وخاصة، وبيّنت للناس التوحيد، ونفع الله بذلك ما شاء الله من الخاصة والعامة].