سيذكر الشيخ رحمه الله تعالى جملة من الخصائص التي امتازت بها هذه الأمة، وهي بالاستلزام خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: [وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس].
الخصيصة الأولى: أن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، والخيرية هنا مطلقة، فهي خيرية الدنيا والآخرة.
قال رحمه الله: [يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله].
الخصيصة الثانية: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذه الخصيصة باقية في هذه الأمة إلى قيام الساعة، وقد يكون في بعض الأمم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لكن ليس كهذه الأمة؛ لأن هذه الشعيرة باقية في هذه الأمة، ما دامت هذه الطائفة المنصورة التي تكفل الله ببقائها قائمة.
إذاً: تميزت هذه الأمة باستمرار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبقيامها به على الوجه الصحيح في الجملة.
الخصيصة الثالثة: الإيمان بالله، لكن قد يقول قائل: إن هذه الخصيصة تشاركها فيها جميع الأمم، وهذا غير صحيح؛ لأن المقصود بالإيمان هنا الإيمان الحق الذي يتضمن الإيمان بالله وبأسمائه وبصفاته وبأفعاله، ويتضمن توحيده عز وجل، والإيمان بأركان الإيمان الستة وأصوله؛ لذا فهذه الأمة هي أفضل الأمم استكمالاً لمعاني الإيمان بالله عز وجل.
قال رحمه الله: [يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله، هو شهيد عليهم وهم شهداء على الناس في الدنيا والآخرة، بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة].
قوله رحمه الله: (يوفون سبعين) هذه ما أظنها من الخصائص، هذه إكمال عدد، إلا قوله: هم خيرها، يعني: خير السبعين أمة وأكرمها؛ فقد ورد بأنهم خير أمة.
الخصيصة الرابعة: أنهم شهداء على الناس.
قال رحمه الله: [وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة، إذ لم يبق بعده نبي يبين ما بدل من الرسالة].
الخصيصة الخامسة: أن الله عصمهم من أن يجتمعوا على ضلالة، وهذا من لوازم حفظ الدين، فكما أن الله قد تكفل بحفظ هذا الدين وبقاء طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرة، فإن ذلك يعني العصمة من الضلالة، والعصمة لمجموع هذه الأمة لا للأفراد، لكن قد يفهم بعض الناس كما فهم بعض أهل الأهواء أن الأمة لا تقع في ضلالة، وهذا خطأ؛ لأنه قد تكون هناك طوائف من هذه الأمة تقع في الضلالة، لكن ليس كل الأمة، بل لا بد أن تبقى طائفة على الحق ظاهرة، وهم أهل السنة والجماعة.
قال رحمه الله: [وأكمل لهم دينهم، وأتم عليهم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً، وأظهره على الدين كله إظهاراً بالنصرة والتمكين، وإظهاراً للحجة والتبيين].
الخصيصة السادسة: إكمال الدين وإتمامه، وإظهاره على الأديان كلها، وتمكين الله لهذه الأمة إلى قيام الساعة.
قال رحمه الله: [وجعل فيهم علماءهم ورثة الأنبياء، يقومون مقامهم في تبليغ ما أنزل من الكتاب].
الخصيصة السابعة: بقاء العلماء في الأمة، بخلاف الأمم السابقة فقد اندثر فيها العلم ولم يبق فيها علماء؛ لأنها قد ابتليت بتغيير الدين والكتب المنزلة من الله عز وجل، وإذا وقع التغيير لم يكن هناك علم وعلماء، ولذلك لم يبق في أي أمة من الأمم من العلماء على الدين الصحيح والاستقامة والسنة إلا علماء هذه الأمة، فهم باقون إلى قيام الساعة، وهم الذين تتمثل بهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، لكن العلم الذي كان عند علماء اليهود والنصارى فيه شيء من التشويش، مع وجود بقية من خير، ولم يكن عندهم العلم الراسخ الذي يُعتمد عليه، ويكون بمثابة العلم الذي يحفظ به الدين نقياً صافياً، بل لم يوجد ذلك إلا عند علماء هذه الأمة؛ لأنهم ورثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير تغيير ولا تبديل، وعليه فما كان من العلم عند علماء اليهود أو علماء النصارى قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أو أثناء بعثته لا يخلو من التشويش والتغيير والتبديل، فالنصارى كانت عبادتهم وعلمهم مبنياً على الكذب، واليهود كان عندهم شيء من الخلط والكذب والاستكبار إلا من هداهم الله فيما بعد، كـ عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فعندما أسلم اعترف بأنه كان يفعل ما يشاء، وليس بمقتضى ما أمر الله به وبمقتضى الأمانة التي حملها الله العلماء.
قال رحمه الله: [وطائفة منصورة لا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى حين الحساب].
الخصيصة الثامنة: أنه تبقى في هذه الأمة طائفة منصورة، وهي أهل الحق وأهل السنة والاستقامة.
قال رحمه الله: [وحفظ لهم الذكر الذي أنزله من الكتاب المكنون، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]].
الخصيصة التاسعة: حفظ الله لكتابه العزيز.
قال رحمه الله: [فلا يقع في كتابهم من التحريف والتبديل كما وقع من أصحاب التوراة والإنجيل].
الخصيصة العاشرة وإن كانت متفرعة عن التاسعة: امتاز الحفظ من التحريف بأنه ليس فقط حفظاً للذكر بذاته، بل حفظاً للذكر ولمعانيه الصحيحة السليمة التي بها يستقيم دين الله عز وجل، وكما حفظ هذا القرآن وحفظ هذا الدين فكذلك حفظت السن