بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن شاء الله تعالى سنأخذ دروساً في مجموع الفتاوى القسم المتعلق بالعقيدة، ويشمل المجلدات الثمانية الأول لشيخ الإسلام ابن تيمية، والفتاوى لـ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى قد اشتملت على بعض الرسائل أو الكتب مثل: الواسطية والحموية والتدمرية وغيرها، والقسم المتعلق بالعقيدة -كما ذكرنا- يشمل المجلدات الثمانية الأولى والتي تنتهي بموضوع القدر، ثم يلحق المجلد التاسع والعاشر والحادي عشر فيما يتعلق بالفرق وخاصة الصوفية، وما يتعلق بأصولها ومناهجها وقضاياها وطرقها ورجالها وبدعها وغير ذلك، ويسمى هذا بعلم السلوك والتصوف، وقد عده السلف من الأمور المكملة للعقائد، وهي أمور الرد وتصحيح عقائد الناس، وقد كان اختيارنا للفتاوى مبني على اعتبارات عدة، منها: الاعتبار الأول: شمول فتاوى شيخ الإسلام في المجلدات الأولى لكل مسائل العقيدة الكبرى والمهمة، بل أحياناً حتى الفرعية.
الاعتبار الثاني: أن منهج شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر المنهج الأنموذج الذي يجمع بين أساليب القدامى والمتأخرين في اعتماد منهج السلف في التقرير والعرض والاستدلال، بالإضافة إلى ما فيه من فائدة علمية وفوائد منهجية عظيمة جداً يستفيد منها المعاصرون، ويستفيد منها سائر طلاب العلم في تقرير العقيدة وبيانها، حتى مع تغير الزمن في هذا الوقت، بل إننا سنرى وسنلاحظ أن شيخ الإسلام رحمه الله كأنه قد كتب للناس في هذا الزمان في كثير من المسائل، وسبب ذلك تشابه أحوال عصره بأحوال عصرنا، خاصة فيما يتعلق بمناهج الناس وعقائدهم ومللهم ونحلهم، وإنما اختلفت وسائل الحياة، وهذا أمر لا دخل له في تقرير الدين.
الاعتبار الثالث: أن فتاوى شيخ الإسلام فيما يتعلق بقسم العقيدة قد اشتمل على كثير من الردود المباشرة وغير المباشرة، ولم يكتف رحمه الله بمجرد العرض والاستدلال والتقرير، لأنه رحمه الله تعالى عندما كتب في ذلك الوقت كان أغلب الناس من المعرضين عن عقيدة السلف، فكان في معرض تقريره للعقيدة يبين الرأي المخالف ويرد على المخالفين، فيستقصي في بحثه ويستدل وينهي المسائل حتى يصل اليقين للقارئ وطالب العلم خاصة، ثم إن شيخ الإسلام امتاز أسلوبه بجزالة الألفاظ وقوة المعاني والاستنباط.