ضرورة التميز بين الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية ومعرفة زمان ومكان وقوعهما

قال رحمه الله تعالى: [لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها].

الإذن في الشفاعة لا يكون إلا يوم القيامة، وعلى هذا فينبغي أن نميّز بين مسألة شروط الشفاعة والاستثناءات فيها، بين الشفاعة المثبتة والمنفية، وأن المنفية تقع في الدنيا وفي الآخرة، بمعنى: أن هناك من يطلب الشفاعة بغير وجهها في الدنيا وفي الآخرة، لكنها لا تُقبل، بينما الشفاعة المثبتة لا تكون إلا في الآخرة؛ لأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وكل إنسان ينبغي أن يعمل لنفسه، وليس بينه وبين الله واسطة، لكن في الآخرة في بعض الأمور قد يأذن الله عز وجل لبعض العباد بأن يشفعوا، بل الله عز وجل يسخّر الشفعاء ثم يستأذنون فيؤذن لهم بشروط أيضاً، والشروط ستأتي فيما بعد مفصّلة.

المهم أن وجود الواسطة التي هي الشفاعة المثبتة في الآخرة بشروطها لا تعني وجود أي نوع من أنواع الشفاعة المشروعة في الدنيا، بل الشفاعة التي هي عند الله عز وجل في مصائر العباد، أو فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، لكن هناك أمور قد تسمى شفاعة أو قد تشتبه بالشفاعة، مثل: الاستشفاع بدعاء الصالحين، أو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي، فهذا في الحقيقة لا يعد من اتخاذ الشفيع عند الله عز وجل، وإنما هو من باب طلب الإنسان بأن يدعو الله عز وجل، وهذا الداعي الذي طلب منه الدعاء سواء كان النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره لا يعتبر شفيعاً من دون الله عز وجل، بل هو طالب من الله عز وجل جلب نفع أو دفع ضر أو نحو ذلك، لكنه لم يتخذ بذاته واسطة، كما سيأتي في مفهوم الشفاعة في الدعاء.

والشفاعة المنفية تكون في الدنيا والآخرة، لكن الآن أهل البدع يطلبون الشفاعة المنفية حتى في الدنيا والآخرة؛ لأن بعض الناس قد يطلب شفاعة ولا يقبل منه، فالمثبتة تكون في الآخرة إلا بعض صور الوسيلة، أو في بعض صور الشفاعة، لكن معناها ليس على المعنى الشرعي أو المفهوم الشرعي للشفاعة التي لها شروطها؛ لأن بعض الناس قد يدخل صورة طلب الدعاء من أنواع الشفاعات، وهي ليست حقيقة من أنواع الشفاعات، وإنما هي نوع من أنواع صرف العبادة لله عز وجل من جهة عبد من عباده دعاه، فكون الإنسان المطلوب منه الدعاء قد طلب من الله عز وجل أن ينفع آخرين، فهذا لا يعني أنه هو بذاته اتخذ واسطة، والدليل أن الداعي لم يتخذ بينه وبين الله واسطة، وإنما طلب تعدي النفع إلى الآخرين، وهذا مطلوب حتى ممن لم يطلب الدعاء، فأنت إذا دعوت ينبغي أن تدعو لعموم المسلمين حتى ولو لم يطلبوا منك ذلك، وصورته واحدة ليس من أنواع الشفاعة التي عليها النزاع، ولا من أنواع التوسل الذي عليه النزاع، لكن أهل الأهواء لبّسوا على الناس، فأدخلوا هذه الصورة على أنها صورة تنطبق عليها جميع صور الشفاعات الممنوعة، وعلى أي حال فلا نستعجل الأمر؛ لأن هذا سيأتي في (التوسل والوسيلة) عندما نبدأ به إن شاء الله مفصلاً.

قال رحمه الله تعالى: [حتى قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة:4]، وقال تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام:51]، وقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:56 - 57]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:22 - 23].

وقالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة: فبيّن الله لهم أن الملائكة والأنبياء لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلاً، وأنهم يتقربون إلى الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015