قال رحمه الله تعالى: [وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده].
يعني: أن جميع أصحاب هذه الملل -المسلمين واليهود والنصارى- كلهم يقرون بأن النبوات تعني وجود أناس من البشر اصطفاهم الله عز وجل ليبلغوا رسالات الله، وهذا في الجملة، وإلا فهناك عند التفصيل أمور في تفاصيل الإيمان بالأنبياء ضل فيها أقوام، فمثلاً: اليهود والنصارى رغم أنهم يؤمنون بمبدأ النبوات، وأن هناك وسائط وهم الأنبياء يبلغون عن الله، إلا أنهم رفعوا بعض الأنبياء إلى مقام الألوهية، وهذا ضلال طارئ عليهم، لكن لا يزالون يعترفون بمبدأ النبوات.
قال رحمه الله تعالى: [وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده، وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أمره وخبره، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75]، ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل.
والسور التي أنزلها الله بمكة مثل: الأنعام، والأعراف، وذوات: ((الر)) و ((حم)) و ((طس)) ونحو ذلك، هي متضمنة لأصول الدين، كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر.
وقد قص الله قصص الكفار الذين كذبوا الرسل، وكيف أهلكهم ونصر رسله والذين آمنوا، قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171 - 173]، وقال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51].
فهذه الوسائط تُطاع وتتبع ويُقتدى بها، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64]، وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]، وقال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]].