قال رحمه الله تعالى: [فالمعاني الثابتة بالكتاب والسنة يجب إثباتها، والمعاني المنفية بالكتاب والسنة يجب نفيها، والعبارة الدالة على المعاني نفياً وإثباتاً إن وجدت في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وجب إقرارها، وإن وجدت في كلام أحد وظهر مراده من ذلك رتب عليه حكمه، وإلا رُجع فيه إليه].
هذه في الحقيقة قاعدة عظيمة، لكن فيها غموض، وهي قوله: (فالمعاني الثابتة في الكتاب والسنة يجب إثباتها) فقصده بالمعاني: المعاني العامة المجملة التي إما أن يفهمها عامة الناس، أو يفهمها أهل العلم ويستنبطوها بقواعد وبأصول، وهذه المعاني الثابتة في الكتاب والسنة يجب إثباتها، بمعنى: يجب أن تكون هي المرجع وهي قواعد الدين؛ لأنه ليس المقصود هنا مجرد المعاني اللفظية الفردية؛ لأن هذه قد يتنازع عليها الناس، ولذلك ينبغي أن يتعود طلاب العلم في تبصير الناس في دينهم أن يبصّروهم بمجملات الدين، ولا يدخلون عليهم التفاصيل وتفصّل لهم، ومن هنا أحب أن أنبه كثيراً من أهل العلم الذين يخطئون في تعليم الناس، سواء في المساجد أو في الدروس الخاصة أو في المدارس أو غيرها، فيدخلون في تفاصيل قضايا الدين، وهذا في الغالب يكون فيه فتنة على الناس، لذا ينبغي على طلاب العلم أن يُعلّموا الناس الدين بقدر مداركهم، وإذا كانت المجالس فيها العامة والخاصة فينبغي أن تراعى العامة قبل الخاصة، وإذا كانت المجالس فيها طلاب علم وعوام فينبغي أن يراعى العوام قبل طلاب العلم، ولا تتحدث بحديث قد تدخل الآخرين في عماية وشك وحيرة، ولذلك كان السلف يطردون القُصّاص من المساجد؛ لأنهم يحدثون الناس بما لا يعرفون، مع أن أكثر ما يحدثون به قد يكون حقاً.
ومن هنا فهذه الجملة جملة عظيمة جداً، أعني: جملة: (المعاني الثابتة بالكتاب والسنة يجب إثباتها، والمعاني المنفية بالكتاب والسنة يجب نفيها في الجملة) أما إذا دخل التفصيل فقد يكون فيه نزاع، وقد يكون فيه خلاف، وقد يختلف الناس في فهمه إلى آخره.
ثم قال: (والعبارة الدالة على المعاني نفياً وإثباتاً إن وجدت في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وجب إقرارها) يعني: إقرارها كما جاءت، فإن فُهمت فبها ونعمت، وإن لم تفهم فيجب الالتزام بلفظها والتسليم، ولا تكون محل نزاع أو محل نظر ولا ترد عليها الإشكالات؛ لأن إيراد الإشكالات على معاني ألفاظ الكتاب والسنة إنما هو في الغالب فيه نوع من المشاقّة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.