بيان كون ترك العمل بما أمر الله به سبباً لإغراء العداوة والبغضاء بين الناس

قال رحمه الله: [وهذا كما قال عن أهل الكتاب: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة:14]، فأخبر أن نسيانهم حظاً مما ذكروا به، وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به، كان سبباً لإغراء العداوة والبغضاء بينهم، وهكذا هو الواقع في أهل ملتنا، مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة في أصول دينها، وكثير من فروعه، من أهل الأصول والفروع، ومثلما نجده بين العلماء وبين العباد، ممن يغلب عليه الموسوية أو العيسوية].

ليس المقصود بالموسوية ملة موسى عليه السلام، وإنما المقصود أتباع موسى عليه السلام من اليهود الذين ابتدعوا مع العلم، بينما العيسوية تعني: الابتداع مع المجاهرة، إذاً فالموسوية رمز لمن ابتدع في الدين من العلماء مع العلم والبصيرة، وهذا إما كبراً وإما هوى وإما حسداً، والعيسوية: هم النصارى الذين عبدوا الله على جهل، وهذا فيه إشارة إلى العباد، أعني: عباد هذه الأمة الذين ظهرت عندهم نزعات البدع والأهواء لجهلهم في الدين، حتى صارت هذه النزعات بذور الصوفية فيما بعد، وأصبحت الآن طرقاً ابتليت بها الأمة، بل ودخل فيها فئام من الأمة أو من المسلمين، ربما يكونون في كثير من البلاد الإسلامية هم الأكثر، وأغلب هؤلاء على دين العيسوية.

قال رحمه الله: [حتى يبقى فيهم شبه من الأمتين اللتين قالت كل واحدة: ليست الأخرى على شيء، كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة، والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة، كل منهم ينفي طريقة الآخر، ويدعي أنه ليس من أهل الدين، أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من الدين، فتقع بينهما العداوة والبغضاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015