والكلام في الاصطلاح: هو اللفظ المركب الموضوع لمعنى، والنحويون يشترطون فيه الإفادة وقصد الإفادة، بأن يكون مفيداً، وأن يكون مقصوداً للإفادة، واللفظ في اللغة: مصدر لفظ الشيء إذا رماه أو تركه، فيقال: لفظت الدابة الحشيش إذا تركته، ويقال: لفظ فلان الحصاة إذا رمى بها، ومنه قول غيلان: عشية ما لي حيلة غير أنني بلفظ الحصى والخط في الرمل مولع والمقصود باللفظ هنا: الصوت الخارج من الفم، المشتمل على بعض الحروف الهجائية، فقولنا: (الصوت) هو ما يحصل عند اجتماع الأجرام أو افتراقها مما يسمع، وقولنا: (الخارج من الفم) خرج به أصوات الأجرام عند اجتماعها وافتراقها، أي: إلا ما كان خارجاً من فمه.
قولنا: (المشتمل على بعض الحروف) خرج به أصوات البهائم التي لا تشتمل على بعض الحروف الهجائية، والهجائية المنسوبة إلى الهجاء وهو الخط، فخرج بذلك حروف المعاني، فقد لا يكون اللفظ مشتملاً عليها، وقولنا: (المركب) مخرج للكلمة الواحدة فلا تسمى كلاماً في الاصطلاح، و (المفيد) يشمل الدلالة على معنى، فاللفظ الذي لا يوضع لمعنىً كديزٍ الذي هو مقلوب زيدٍ لا فائدة فيه، فلا يمكن أن تدل الألفاظ -وهي غير مستعملة- على معنى ولا أن تكون كلاماً.
قال المصنف: [فأما أقسام الكلام: فأقل ما يتركب منه الكلام اسمان، أو اسم وفعل، أو فعل وحرف، أو اسم وحرف] .
قوله: (أقل ما يتركب منه الكلام) دل هذا على أن الكلام لابد أن يكون مركباً، والكلمات ثلاث هي: (الاسم، والفعل والحرف) ، فالاسم: ما دل على المسمى.
والفعل: ما دل على حركة المسمى.
والحرف: ما دل على معنى من إثبات أو نفي أو تأكيد أو نحو ذلك.
قوله: (وأقل ما يتركب منه الكلام اسمان) مثل قولك: ذا أحمد، فذا: اسم مبتدأ، وأحمد: خبره.
أو اسم وفعل، مثل: استقم، فالفعل: استقم، والاسم: هو ضمير مستتر فيه، أي: أنت، ومثل: قام زيد، فقام: فعل، وزيد: اسم، ومنها تركبت الجملة الفعلية، فكان هذا كلاماً مفيداً، ولهذا قال: (فأقل ما يتركب منه الكلام اسمان) مثل: زيد قائم، ذا أحمد، أو (اسم وفعل) مثل: قام زيد أو يقوم زيد.
قال: (أو فعل وحرف) وهذا لا يكون أبداً، فالكلام لا يتركب من فعل وحرف، بل الاسم لابد منه في الكلام؛ لأنه لا يمكن أن يصدر فعل إلا بفاعل، فلا يمكن أن يوجد كلام بغير اسم.
قوله: (أو اسم وحرف) : هذا أيضاً لا يكون إلا على تقدير، فلابد في الكلام من اسمين، وهما ركنا الإسناد، أو اسم وفعل، ويكونان ركنين للإسناد أيضاً، فلا يتركب الكلام من حرف وغيره وحدهما، بل لابد من اسم وفعل أو اسمين، كما قال ابن مالك رحمه الله في الكافية: وهو من اسمين كزيد ذاهب واسم وفعل نحو فاز التائب وما كان على تقدير من وجود حرف واسم مثل: يا فلان! في النداء، فهو على تقدير فعل ينوب عنه الحرف المذكور، معناه: أدعو فلاناً.