1- قال المصنف رحمه الله: [ومن شرط المفتي: أن يكون عالمًا بالفقه أصلاً] أي: يُشترط للمفتي أن يكون عالماً بالفقه، أي: بما يفتي فيه منه، ولا ينافي ذلك أن يكون جاهلاً بجزئيات أخرى من الفقه، فالجزئية التي يفتي فيها لا بد أن يكون عالماً بها؛ لقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ، ولقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] .
فقوله: [أن يكون عالمًا بالفقه أصلاً وفرعاً] ، عالماً بأصوله، أي: بأدلته، وفرعاً: أي بفروعه الناشئة عن تلك الأدلة.
[خلافاً ومذهباً] أي: في الخلاف العالي والخلاف داخل المذهب، وهذا الذي قاله غير شرط في كل مفت، فليس الحال كذلك في أيام الصحابة ولا في أيام التابعين ولا في أيام أتباعهم، وإنما يذكر هذا المتأخرون نظراً لتعصبهم للمذاهب.
2-[وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد] أي: أن يكون تامَّ شروط الاجتهاد، بأن يكون عالماً باللغة العربية، وبطرق دلالتها، وعالماً بالأدلة الشرعية، وبالناسخ والمنسوخ منها، وبأنواع دلالاتها، ولا يُشترط بلوغ الكمال في ذلك، بل ما يتعلق بالمسألة التي يفتي فيها من ذلك، أي: المسألة التي يفتي فيها بالخصوص من ذلك، لا بد أن يكون مطلعاً عليه، فإن كان جاهلاً بما ورد في مسألته التي يفتي فيها من الأدلة، أو بطرق دلالتها، أو بمعانيها في اللغة، فلا يجوز له الإفتاء في تلك المسألة.
ومن هذا يُؤخذ تجزؤ الاجتهاد، وأن الإنسان يمكن أن يكون مجتهداً في مسألة واحدة، ولا يُتقن الاجتهاد في غيرها.
3- قال: [عارفًا بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام، من النحو واللغة ومعرفة الرجال، وتفسير الآيات الواردة في الأحكام، والأخبار الواردة فيها] .
ذكر المصنف أن من شروط المفتي أن يكون: (عارفًا بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام) أي: في استخراجها من أدلتها.
والاستنباط في الأصل: استخراج الماء من البئر البعيدة القعر، والمقصود به هنا: أخذ الأحكام من الأدلة، وقد سماه الله استنباطاً في كتابه في قوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] .
[بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو] أي: من قواعده وما يؤثر في المعنى منها.
(واللغة) أي: علم مفرداتها، ومثل ذلك: الدلالات البلاغية.
(ومعرفة الرجال) أي: تراجمهم جرحاً وتعديلاً، وطبقاتهم حتى يعرف اتصال الإسناد أو انقطاعه.
(وتفسير الآيات الواردة في الأحكام) ولا يُشترط استظهارها، أي: حفظ متنها، فيجوز أن لا يكون حافظاً لآيات الأحكام، ولكنه مطلع عليها، فيعرف ما ورد فيها من الأحكام.
(والأخبار الواردة فيها) أي: أخبار الأحكام، وهي أدلة الأحكام من الحديث، فيكون مطلعاً عليها، ولا يُشترط حفظه لها، ولا استظهاره لها عن ظهر قلب.
وهذه الشروط، هي شروط المجتهد المطلق، ولا يُشترط لكل مفت أن يتصف بها.
ومثل ذلك المفتي في داخل مذهب من المذاهب، سواء كان مجتهدَ ترجيحٍ، أو مجتهدَ تخريجٍ، أو كان متبصراً، أو كان مجتهد فتيا، فلا يُشترط له التحقق بكل هذه الشروط.