وبعض الناس لا يتحرى إذا أراد أن يسأل، لا يبحث عمن تبرأ ذمته بتقليده، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {اسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ}، بل يتجه كثير من الناس لسؤال بعض المفتونين؛ بحثاً عن الرخص، والإنسان إذا بحث عن الرخصة في هذه المسألة، والرخصة في تلك المسألة، والرخصة في المسألة الثالثة والرابعة والعاشرة خرج من دينه؛ لأن الدين تكاليف، فإذا كان الدين كله رخص ما صار هناك دين، ما صار هناك تكليف، والله المستعان.
هذه الأمور الثلاثة -طرق الفقه على سبيل الإجمال، وكيفية الاستدلال بها، وحال المستفيد منها- هذه هي أصول الفقه، هذا ما قاله كثير من الشراح، وكأن الأوضح مما ذكر أن يراد بأصول الفقه: أدلة الفقه الإجمالية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل في هذه الأدلة؛ نأخذ الكتاب مجملاً وكيف نستفيد منه، حجة بالإجماع، لكن كيف نستفيد من هذا الكتاب، السنة حجة إجماعاً، الإجماع القياس وهكذا -على الخلاف فيه- المقصود أن كيف نستفيد من هذه الأدلة الإجمالية، وبيان حال من يستفيد منها.
يقول الناظم رحمه الله تعالى:
أما أصول الفقه معنىً بالنظر ... للفن في تعريفه فالمعتبر
في ذاك طرق الفقه أعني المجملة ... كالأمر أو كالنهي لا المفصلة
وكيف يستدل بالأصول ... والعالم الذي هو الأصولي
ثم ذكر أبواب الفقه على سبيل الإجمال، أبواب أصول الفقه ذكرها إجمالاً، ثم تحدث عنها بالتفصيل واحداً تلو الآخر على نفس الترتيب الإجمالي، وهذا أشرنا سابقاً إلى أنه يعرف بأيش؟
باللف والنشر المرتب، فسرد هذه الأبواب سرداً أشبه ما يكون بالفهرس من الأبواب التي يريد أن يتحدث عنها، وعدتها عشرون باباً على سبيل الإجمال ثم تكلم عنها بالتفصيل الملائم لهذا المختصر، وليس المراد به التفصيل المبسوط الذي يوجد في المطولات، لا، هو تفصيل نسبي ملائم لهذا المختصر ومناسب لإدراك المبتدئين، وإن كانت الأوراق فيها كثير ممن يقول: إنهم لا يفهمون بعض هذا الكلام الذي يذكر في الكتاب، هو لا شك أن الأفهام متفاوتة، ولولا ضيق الوقت لزدنا في التوضيح، لكن مع الإجمال في التوضيح يمكن ما نأخذ ولا نصف الكتاب، والله المستعان.