لماذا نحتاج إلى النحو واللغة والصرف وهذه العلوم؟
لأن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وردت بلسان العرب، فلا بد لفهمهما من معرفة بهذه العلوم؛ تؤهل لفهمها، والمراد بذلك -مثل ما ذكرنا- القدر المجزئ الذي يقبح جهله، ولا يراد بذلك أن يتقن كل فرع من هذه الفروع كخواص أهله، على ما سبقت الإشارة إليه.
من الأدب أيضاً -من أدب المفتي- أن يطلع على كتب الآداب، وهذه تعطيه الأساليب والعبارات الجيدة التي يستطيع بواسطتها أن يوصل ما لديه من علوم، ويقصد بذلك الأدب العفيف لا الأدب الماجن، وإن كان أهل العلم يطلعون على الكتب وإن كان فيها ما فيها، وفيها فوائد وإن كان فيها شيء من المخالفة التي بعضها لا يليق بسمت طالب العلم، لكن تجد كثيراً من أهل العلم حينما يفتي أو يسأل يصعب عليه أن يوصل المعلومة التي يريدها إلى المستفتي،.
نعم هناك كتب قد تغني عن هذه الكتب وهي عفيفة، مثل الأساليب الرائعة التي بثها ابن القيم في كتبه، لو يحفظ منها طالب العلم كمية وجملة استفاد منها في مستقبل حياته.
ولذا العالم حينما يسأل ينبغي أن ينظر حال السائل من أي طبقة يكون، فيخاطبه على قدر فهمه، قد يكون السائل طالب علم وليس عنده من العبارات ما يستطيع أن يوصله إلى طالب العلم، مع أن طالب العلم أسهل من العامي، فيوصل المعلومة والفتوى والجواب إلى هذا السائل بالأسلوب المناسب، هذا إذا كان السائل واحداً أو مجموعة يشملهم وصف واحد، لكن إذا كان السؤال مطروح على خلائق لا يحصون، منهم العالم، منهم المتعلم، منهم العامي، منهم الذي لا يفهم اللهجات، فمثل هذا يتعين عليه أن يكون جوابه مفهوماً لدى السامعين، فلا يفتي بلهجة لا يفهمها جميع من يستمع.
هو لا يطالب أن يفتي بجميع اللغات، أو يتعلم جميع اللغات ليفتي بها، لكن أقل الأحوال أن يتقن العربية؛ بحيث يفتي الناس بالعربية؛ لأن الأقاليم تختلف في فهم العامية، وبعض الألفاظ العامية يختلف مدلولها من قطر إلى آخر، يختلف مدلولها من قطر إلى آخر، وقد تفيد الضد والنقيض، تفيد الضد والنقيض من المقصود.
فالعالم عليه أن يعتني بالعربية ويفتي بالعربية لا سيما إذا كان من يسمعه من شرائح متنوعة، ومن أقطار متباعدة؛ لأن الآن ما هو مثل قبل لا يبلغ صوتك إلا أمتاراً، الآن ألوف مؤلفة من الكيلوات يصل الصوت، والله المستعان.