ومن الناس - وهذا القول الثاني- من يقول بضده، وهو أن الأصل في الأشياء على الإباحة إلا ما حظره الشرع: فمن العلماء من يقول: إن الأشياء بعد البعثة موصوفة بالحظر كما كانت قبل البعثة محرمة، وذكرنا دليل هذا القول، وهو أن الفعل والانتفاع بهذه الأعيان تصرّف في ملك الله -عز وجل- بغير إذنه؛ إذ جميع ما على وجه الأرض مما يمكن أن ينتفع به هو ملك لله -عز وجل-، والتصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز، فممنوع أن تنتفع بشي من ملك غيرك إلا بإذنه.

القول الثاني: وهو أن الأصل في الأشياء على الإباحة، يعني أنه مأذون فيها إذناً عاماً مع عدم الحرج، ودليل ذلك أن الله تعالى خلق العبد، وخلق له ما ينتفع به، خلق العبد، يعني لو قلنا: لا ينتفع بشيء حتى يجد دليلاً يدل على إباحته، ماذا عن حكم الأشياء بعد البعثة مباشرة، وقبل صدور الأدلة التي تدل على إباحة هذه الأعيان، يعني هل ينتظر الناس الذين تدينوا بهذا الدين، وتبعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى يوجد ما يبيح لهم الانتفاع بهذه الأعيان؟

الله -سبحانه وتعالى- لما خلقهم وخلق لهم ما ينتفعون به، دل ذلك على إباحته لهم، إذ لو لم يَُح لهم، لكان خلقه -جل وعلا- إياها عبثاً، أي خالياً عن الحكمة، يعني لماذا خلقت هذه الأشياء التي يمكن أن ينتفع بها؟ لينتفع بها.

ومن أهل العلم من قال بالتوقف، يعني الأدلة متكافئة، أيش الفرق بين القول بالوقف والتوقف، وهل المتوقف قائل؟ يعني من توقف في بيان حكم مسألة ما، هل يمكن أن يدرج قوله في أقوال أهل العلم الذين لهم قول في هذه المسألة؟

نعم، هم يذكرون: القول الثالث التوقف في كثير من المسائل، يذكرون الأقوال المتقابلة، ويذكرون أدلتها، وقيل بالوقف، سبق لنا مسألة اللغات ومبدأ اللغات ما كانت توقيفية أو كانت توقيفية أو توفيقية، أو تلفيقية، ورابعها التوقف، رابع الأقوال، وهنا ثالثها التوقف.

من الأئمة من يقول: إن الأصل في الأعيان الحضر، الملك لله -عز وجل- لا يجوز أن ترتفع إلا بإذنه، ولا ورد الإذن، وهذا دليله ظاهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015