فلما وقع الظاهرية في أئمة الإسلام وُقِع فيهم -جاء مثل هذا الكلام فيهم- ولهذا على طالب العلم أن يكتسب أدباً قبل أن يتعلم؛ ولا يؤثر في الخصم مثل الأدب والاحترام، ((أنزلوا الناس منازلهم))، أنزله منازله ووافقه على ما يقوله من حق، واشكره على ذلك، وامدحه بذلك، ثم بعد ذلك انتقد ووجه، أما تصادر كل ما عنده من حق وتركز على هذه المخالفة وتجعلها كل شيء ما يقبل منك، والله المتسعان.
مسألة الاعتداد بقول أهل الظاهر، مسألة كبيرة ومعروفة عند أهل العلم، فكثير من أهل العلم لا يعتد بقولهم، وسمعنا كلام النووي في شرح مسلم يقول: "ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد".
ومسألة الاعتداد بهم أو عدم الاعتداد تحتاج إلى بسط، وتصور وتصوير دقيق كي تفهم؛ لأن من يرى الاعتداد بهم يقول: هم قوم من المسلمين، وهم أئمة مجتهدون عرفوا بالعلم والعمل، حرصهم على النصوص لا يقل عن حرص غيرهم من الأئمة إن لم يكن أشد، والذي يقول: لا يعتد بهم حجته ما سمعنا.
ولا شك أن المسألة المختلف فيها، وفيها لأهل الظاهر قول يخالفون فيه غيرهم من الأئمة إن كان عمدتها النص من الكتاب والسنة، فأهل الظاهر من أولى من يعتد بقولهم، وإن كان عمدتها أقيسة واجتهادات فأهل الظاهر لا مدخل لهم في هذا الباب.
ابن حزم وهو إمام من أئمة مذهبهم ألغى الأقيسة والآراء في الفروع، واستعمل هذه الأقيسة في الأصول، ولذا بعد عن مذهب أهل السنة والجماعة بعداً فاحشاً في مسائل الاعتقاد في كثير منها.
استعمل العقل في الاعتقاد، وألغى وأهمل العقل في الأحكام، مع أن المفترض أيش؟ العكس، المفترض العكس؛ لأن العقائد نحن ملزمون بالنصوص، ولا نتجاوز ولا نتعدى ما جاء في النصوص، وعلينا أن نفهم هذه النصوص بفهم سلف الأمة وأئمتها، وعلى هذا فنحن مكفيون في هذا الباب.
الفروع التي هي مجال للاجتهاد تدخل فيها الآراء فهم عكسوا، لا سيما ابن حزم منهم، نظر في مقدمة المحلى فيما يتعلق بأصول الدين فجاء ببدع بعضهم يكفره بسببها، يقول: ما عندنا قرآن ولا قرآنان ولا ثلاثة، عندنا أربعة قرآنات!!