إذا عرفنا هذا فالعلم الممدوح المذكور مداره على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، مداره على نصوص الوحيين الكتاب والسنة، فمنهما يؤخذ وعليهما المعول في تحصيله، وقد مضى الجيل الأول من الصحابة على ذلك فاقتصروا على نصوص الوحيين؛ لأنهم ليسو بحاجة إلى غيرهما؛ الكتاب عربي والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي فليسو بحاجة إلى تعلم العربية.
عاصروا النبي وعايشوه -عليه الصلاة والسلام- وعرفوا مقاصده وفهموا عنه ما أنزل عليه وما بيّنه في سنته -عليه الصلاة والسلام- فليسوا بحاجة إلى قواعد وضوابط تعينهم على فهم الكتاب والسنة، هي موجودة حاضرة في أذهانهم، لكنهم ليسو بحاجة إلى تدوين لها؛ لأنهم على علم واطلاع بها.
ومن أراد أن يعرف قدر السلف وعلم السلف وفضل علمهم على الخلف فليقرأ في رسالة الحافظ ابن رجب -رحمة الله عليه- التي أسماها: (فضل علم السلف على الخلف).
وإذا ارتفعت نفس الإنسان وعلت به عن قدره فليقرأ في (مقدمة موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب؛ ليرى قدره ويعرف أقدار السلف.
أقول هذا؛ لئلا يقول قائل: هذه العلوم حادثة، وقد قيل، والتصنيف في هذه الأمور أمر طارئ حادث بعد عصر السلف.
أقول السلف ليسو بحاجة إلى مثل هذه القواعد وهذه الضوابط التي تعينهم على فهم الكتاب والسنة، فليسو بحاجة إلى مؤلفات في العربية؛ لأنهم عرب خلص أقحاح لا يحتاجون إلى شيءٍ من ذلك، لكن لما اتسعت رقعة البلاد ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وخالط العربَ غيرُهم من الأمم احتاجوا أن يؤلفوا في العربية، وفي علوم الآلة كلها، وإن شئت فقل: علوم الوسائل التي منها ما نحن بصدد شرحه وهو أصول الفقه.