نأتي إلى المسألة: عندنا حديث عقبة وما جاء في معناه من النهي عن الصلاة في أوقات النهي، وعندنا الأمر بصلاة ركعتين قبل أن يجلس: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)).
الحديث الأول -حديث عقبة- فيه عموم، عمومه من جهة الصلوات، فهو عام في جميع الصلوات: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن .. "، أي صلاة، هذه الصلوات لا تصلى في هذه الأوقات سواءً كانت فرائض مقضية أو مؤادة، نوافل مطلقة أو مقيدة؛ فعموم حديث: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" شامل لجميع الصلوات، فعمومه من هذه الحيثية، وخصوصه في هذه الأوقات، فهو عام في الصلوات خاص في الأوقات.
النصوص الأخرى التي هي نصوص ذوات الأسباب عمومها في الأوقات، خصوصها في الصلوات، هل نستطيع أن نوفق بين هذه النصوص كما وفقنا في آيتي العدة في أول الأمر؟ يمكن؟
هل نقول: يمكن حمل عموم أحدهما على خصوص الآخر؟
عندنا عموم وخصوص وجهي وليس بمطلق، وأولئك الذين دخلوا في أوقات النهي وصلوا قالوا: الخاص مقدم على العام، فإذا قال الشافعي مثلاً: أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، للحنفي والمالكي والحنبلي -على كل حال هو قول الجمهور- للحنفي والمالكي والشافعي أن يقول: العكس، له أن يقول العكس: أحاديث ذوات الأسباب -ومنها تحية المسجد- عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، كلامه صحيح وإلا ما هو بصحيح؟
نعم، كلام الأول صحيح، وكلام الثاني صحيح، لكن كل منهما نظر إلى النصوص من زاوية، وأهمل الزاوية الأخرى.
وعلى المنصف أن ينظر إلى النصوص من جميع الزوايا؛ لأنه إذا قال الشافعي: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة نقول: كلامك صحيح، لكنه بالنسبة لأيش؟ للصلوات، وأنت لم تنظر إلى العموم والخصوص في الأوقات، فيعارضه قول من يقول: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، فالنصوص متكافئة، ولا يمكن تخصيص عموم أحد الطرفين بخصوص الآخر.