و (بعد): قائم مقام الشرط، ظرف مبني على الضم؛ لحذف المضاف إليه مع كونه منوياً، ومعروف قبل وبعد والجهات الست لها ثلاث حالات، إن أضيفت أعربت، وإن قطعت عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه أعربت مع التنوين، وإن قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه بنيت على الضم، {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم].
والإشارة فهذه: الأصل في المشار إليه أن يكون موجوداً حاضراً، فهذه: الإشارة هي إلى حاضر على كل حال، فإن كانت كتابة المقدمة بعد تأليف الكتاب صارت الإشارة إلى موجود في الأعيان، وإن كانت كتابة هذه المقدمة قبل تأليف الكتاب صارت الإشارة إلى حاضر في الذهن لا في الأعيان، يشير إلى ما في ذهنه من الكلام الذي سوف يفرغه في هذه الورقات.
فهذه ورقات تشتمل: ورقات جمع ورقة، جمع مؤنث سالم، وجموع السلامة من جموع القلة عند سيبويه، وعَبّر بذلك (هذه ورقات)؛ لأن هذا هو واقعها، هذه ورقات، عبر بذلك؛ لأن الواقع كذلك، ولكي ينشط القارئ لحفظها وفهمها ودرسها، كما قال تعالى في أيام الصيام: {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} [(184) سورة البقرة]، فوصف الشهر بأنه أيام معدودات؛ تنشيطاً للمسلم على صيامها وتقليلاً لها.
فهذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه: تشتمل: تحتوي على معرفة، والمعرفة هي والعلم بمعنىً واحد عند جمع من أهل العلم، وفرق بعضهم بين المعرفة والعلم؛ لأن المعرفة تستلزم سبق الجهل، بخلاف العلم فإنه لا يستلزم سبق الجهل، ولذا يوصف الله -سبحانه وتعالى- بأنه عالم وعليم وعلَّام، ولا يوصف بأنه عارف؛ قالوا: لأن المعرفة تستلزم سبق الجهل، وجاء في الحديث: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)): قالوا هذا من باب المقابلة والمشاكلة في التعبير على أن دائرة الإخبار أوسع من دائرة الأسماء، إلى غير ذلك مما قاله أهل العلم.
على معرفة فصولٍ من أصول الفقه: فصول: جمع فصل، وهو اسم لطائفةٍ من المسائل العلمية، والفصل أو الفصول تندرج تحت الأبواب، ويندرج تحتها المسائل، والأبواب تندرج تحت الكتب.