ترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين: صيغة الأمر (افعل)، الأصل فيها الوجوب كما تقدم، إلا إذا دل الدليل على صرفه إلى الاستحباب، وهذا أيضاً تقدم، وقد تأتي صيغة (افعل) والمراد الإباحة، وهذا أيضاً تقدم تفصيله في الأمر بعد الحظر، {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [(51) سورة المؤمنون]، مأمور بالأكل من الطيبات، {كُلُوا}: هذا الأمر أمر وجوب وإلا ندب وإلا إباحة؟ أو تتأتى به جميع الأحكام؟

نعم، مع خشية الهلاك يجب الأكل، مع الحاجة إلى الطعام من دون هلاك يندب الأكل للاستعانة به على طاعة الله، مع عدم الحاجة إليه يكره الأكل، وما عدا ذلك فالأكل الأصل فيه الإباحة، اللهم إلا إذا قلنا: إن متعلق {كُلُوا} هو الجار والمجرور {مِنَ الطَّيِّبَاتِ} مفهومه لا تأكلوا من الخبائث، فالأكل من الطيبات على سبيل الوجوب في مقابلة الأكل من الخبائث، وهذا سبقت الإشارة إليه بإيجاز في مقابلة الحل التحريم، {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف]، تأتي أيضاً للتهديد كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت]، {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [(30) سورة إبراهيم]، وتأتي أيضاً للتسوية: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ} [(16) سورة الطور]، وتأتي أيضاً للتكوين: وهو الإيجاد عن العدم بسرعة كما في قوله تعالى: {كُن فَيَكُونُ} [(117) سورة البقرة].

يقول -رحمه الله تعالى-:

وأما العام فهو ما عمَّ شيئين فصاعداً: من قولهم: عممت زيداً وعمراً بالعطاء، وعممت جميع الناس.

العام: لغةً شمول أمرٍ لمتعدد سواء كان الأمر لفظاً أو غيره، ومنه قولهم: عمّهم الخير، إذا شملهم وأحاط بهم.

والمؤلف عرّفه بأنه ما عم شيئين فصاعداً، وينبغي أن يزاد في الحد (من غير حصر)؛ لأن العدد المحصور داخل في حيّز مقابل العام وهو الخاص، وهذا أمر لا بد منه في الحد؛ لإخراج اسم العدد كمائة مثلاً أو ألف؛ لأنها وإن شملت أكثر من اثنين لكنها مع حصر والعام بلا حصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015