قال رحمه الله: [وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس].
هذه الأصول الثلاثة هي موازين الحق: الكتاب والسنة والإجماع، ومعلوم أن الإجماع لا ينعقد إلا بدليل، فكل مسألة أجمع عليها فهي أقوى من المسألة التي فيها ظاهر دليل وليس فيها إجماع ..
لأن المسألة التي أجمع عليها لا بد أن يكون دليلها أقوى من المسألة التي فيها ظاهر دليل لم يصاحبه إجماع، فكل مسألة أجمع عليها فعليها دليل من الكتاب أو دليل من السنة ولا بد، وإن كان قد يتخلف عند البعض تحصيل هذا الدليل.
[وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين، والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشر في الأمة].
وهذه العبارة من شيخ الإسلام رحمه الله كأنها محورة من كلام أبي محمد ابن حزم، وشيخ الإسلام قد أخذ من ابن حزم، وإذا قيل: إنه أخذه من ابن حزم، فلا يعني أنه مقلد له، لكن يعني أن ابن حزم كان يقرر مثل هذا الكلام، فهذا مما كان جيداً في كلامه.
أبو محمد ابن حزم يقول: إن الإجماع المنضبط هو إجماع الصحابة، وشيخ الإسلام هنا يقول: ما كان عليه السلف الأول، فهذا مقارب لقول أبي محمد ابن حزم.
وإذا قلنا: إن الإجماع المنضبط هو ما كان عليه الصحابة؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، فقد يقول قائل: إن هذا يستلزم إسقاط دليل الإجماع في كثير من المسائل الفقهية.
فأقول: إنه إذا تكلم عن الإجماع المنضبط القطعي المتعلق بمسائل أصول الدين، فلا شك أن الإجماع هنا هو إجماع السلف الأول إجماع الصحابة، أما إذا كان الكلام في مسائل التشريع -مسائل الفروع- فالقول في الإجماع هنا يكون أسهل من القول الذي قاله أبو محمد ابن حزم.