[خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)].
هذا الحديث ليس صريحاً في أن عائشة هي أفضل نساء المؤمنين، وإذا قيل: إنه ليس صريحاً فليس معناه: أنه لا دلالة فيه، ومن استدل به على فضل عائشة قيل له: فيه دلالة، لكنها دلالة محتملة ليست دلالة صريحة، لأنك إن قلت: إنه نص صريح، أصبحت المسألة تميل إلى الجزم واللزوم والقطع، فهذا نص محتمل، وإن كان الرسول قال فيه: (فضل عائشة على النساء) فقد يكون الفضل الذي كان يتكلم عنه عليه الصلاة والسلام ليس هو فضل الدين المطلق، بل الفضل المتعلق بعشرة النساء وصلتهن بالأزواج وبرهن مع الأزواج، فهذه أمور محتملة في الحديث.
فيما يتعلق بأفضل أصحاب رسول الله: من المعروف أن أفضلهم أبو بكر ..
إلى آخره، أما ما يتعلق بنساء هذه الأمة فاتفق السلف أو أهل السنة على أن أفضل النساء فاطمة وخديجة وعائشة، هذا متفق عليه أن هؤلاء الثلاث هن الأفضل، ثم تنازع أهل العلم أيتها أفضل، فقوم قالوا: عائشة، ويستدلون بمثل هذا الحديث، وهو فيه نوع من الدلالة وليس صريحاً، والأظهر أنه لا دلالة فيه، ويفضل قوم خديجة، ويفضل قوم فاطمة.
فقد جاءت نصوص في هؤلاء الثلاث، فقال النبي لـ فاطمة: (ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة؟) كما في الحديث الثابت في الصحيح، فهذا أقوى في الدلالة من حديث فضل عائشة على النساء، يعني: إذا كان حديث فضل عائشة على النساء يدل على أنها هي الأفضل مطلقاً فقول النبي لـ فاطمة: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة، أو سيدة نساء العالمين؟) أصرح في الدلالة، لا سيما أنها كانت على وجه البشارة الأخروية؛ لأنه سارَّها بذلك، ولم يكن هذا مما يقصد ذكره بين الناس، كان هذا من باب المسارَّة؛ لأنه سارَّها كلمة فبكت، ثم سارها الثانية فضحكت، ولم تكشف سره عليه الصلاة والسلام إلا بعد وفاته.
فالمقصود: أن هؤلاء الثلاث القول فيهن ممكن، والجمهور من السلف فيما يظهر والله أعلم ما كانوا يشتغلون بهذا التفضيل والجزم كاشتغالهم بتفضيل أبي بكر وأمثال ذلك، ولذلك الأولى والأقطع للنزاع ولكيلا تكون هذه المسائل موجبة لكثرة الخلافات التي لا طائل تحتها، أن يقال: أفضل نساء هذه الأمة فاطمة وخديجة وعائشة، أما أيتهن أفضل؟ فهذا أمر الله أعلم بتمامه، ولكن إذا اعتبرت الأمور بالأقرب فـ خديجة أو فاطمة أفضل من عائشة فيما يظهر والله أعلم.
ولكن أنا أميل إلى عدم العناية بمسألة الترجيح في المسألة، فكثرة النظر فيها والترجيح ليس مقصوداً، ذلك أنه لا فائدة فيه، لأنه ليس من باب التراتيب الإيمانية المنضبطة على أخبار منضبطة، أما تفضيل أبي بكر فمقصود؛ لأنه من التراتيب الإيمانية، هذا دين وعقيدة أن نؤمن أن أبا بكر هو أفضل الصحابة؛ لأننا بذلك نحقق النصوص الصريحة، أما التفضيل بين خديجة وعائشة وفاطمة فهذا ليس فيه نصوص صريحة.