القدرية

القدرية غلاة، وقد سبق أنهم ليسوا من المسلمين، وإنما يسمون بهذا المذهب لكفرهم بالقدر، ودونهم -وهم المعتزلة- الذين يقولون: إن الله علم أفعال العباد -فيقرون بالأصل الأول- وكتبها، فيقرون بالأصل الثاني إجمالاً؛ لأنهم قد يقصرون في تفصيل الكتابة الواردة في السنة، ولكنهم يقولون: إن الله لم يخلقها ولم يشأها، وهل يقولون: إن العبد هو الخالق لفعله؟

المعتزلة لهم ثلاثة أقوال: منهم من يسكت عن هذا السؤال، ومنهم من يقول: إنه لا يقال: إن العبد خلقها، ومنهم من يقول: إن العبد خلقها.

وكل الأقوال مشكلة في نفسها، فإن من سكت فإنه سكت عن السؤال اللازم، والسكوت عن السؤال اللازم عن القول ممتنع، فإنه يدل على فساد القول نفسه، أو على امتناع العلم في القول نفسه، فالجهل هنا ليس محتملاً؛ لأنه يستلزم الجهل بالأصل الملازم له.

ومن قال: إن العباد خلقوها، فهذا هو الغلط البين من جهة أن الله هو الخالق لكل شيء.

ومن قال: إنه لا يقال: إن العباد خلقوها، مع قوله: إن الله لم يخلقها، فهذا قول متعذر؛ لأنه يستلزم وجود ما له ماهية ووجود بدون خالق له.

فهؤلاء هم المعتزلة، وقد أخذ من مادة قولهم بعض رجال الإسناد، والذين سبق بيان ما في قولهم من الامتياز عن قول المعتزلة، وإن كان هؤلاء -أي: بعض رجال الإسناد- ليسوا هم كبار الأئمة المحدثين، وإنما هم من آحاد الرواة، ولذلك لم ينضبط القول بمذهب القدرية -أي: أن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يشأها- عن إمام من أئمة الحديث أو أئمة الفقه الكبار، وإن كان هذا القول نسب إلى أبي حنيفة، إلا أنه كذب عليه، ونسب إلى الحسن البصري، وهو كذب عليه وليس من أقواله، بل كان من أشد الناس على القدرية، ومع ذلك نسب إلى الحسن البصري، وهناك رسالة منسوبة إلى الحسن البصري، والأظهر فيها أنها من كتابة بعض الشيعة الذي كانوا يقولون بهذه الطريقة، ونسبوها إلى الحسن البصري رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015