إخراج الله سبحانه أقواماً من النار بغير شفاعة

قال المصنف رحمه الله: [ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته].

بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يغفر لقوم من المسلمين ما هو من ذنوبهم، فلا يستتم عذابهم، لا بشفاعة أحد، وإنما بمحض فضله سبحانه وتعالى ورحمته، فإن كل من يخرج من النار ممن دخلها إنما يخرج منها بفضل الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإن التعبير الصواب أن لا يقال: إن من دخل النار يخرجون منها بالشفاعة أو إذا استوفوا عذابهم، فإنه لا أحد يستوفي ما يستحقه من العذاب؛ لأن كل من يخرج من النار من أهل الكبائر من موحدة المسلمين يخرجون بفضل من الله، ومن فضله سبحانه وتعالى أنه يأذن بالشفاعة للأنبياء والرسل والصالحين وللملائكة.

وكل من خرج من النار حتى الذين يخرجهم سبحانه وتعالى بفضله ورحمته، ليس معنى هذا أنهم قد استوفوا سائر ما يتعلق بهم من العذاب، فإنهم لو بقوا في النار زيادة على ذلك فلن يكون ذلك ظلماً.

ولذلك يخرج الله سبحانه وتعالى بفضله أقواماً من النار، ففضله سبحانه ورحمته تلحق جميع المسلمين، برهم وفاجرهم، حتى من دخل النار، وحتى من لم تنله الشفاعة، فإنه يلحقه فضل من الله، وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (إن رحمتي سبقت غضبي).

فالتعبير الصواب: أن لا يقال: من استوفى العذاب وجوزي على سائر عمله وسيئته، فإن هذا ليس في النصوص ما يدل عليه، وهو خلاف الأصل، فإن الأصل أن رحمته سبحانه سبقت غضبه، وأن الجميع بفضله ورحمته؛ لأن القرآن يقرر أن الله لو عذب الخلق وعاجلهم بعذاب في الدنيا لما كان ظالماً لهم، فكذلك في مقام الآخرة؛ فإن العذاب عدل، والثواب والجزاء بالخير فضل منه سبحانه وتعالى.

قال المصنف رحمه الله: [ويبقى في الجنة فضلٌ عمن دخلها من أهل الدنيا فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة].

يبين المصنف رحمه الله هنا: أن الجنة يبقى فيها فضل، أي يبقى بها مكان لم يستوفه المسلمون، فينشئ الله سبحانه وتعالى خلقاً الله أعلم بماهيتهم، فيدخلون الجنة، وهذا من كرم الله سبحانه وتعالى على هذا الخلق الذي ينشئه.

وأما النار فإنه لا يخلد فيها ولا يبقى فيها إلا من كفر بالله سبحانه وتعالى، وجهنم تمتلئ، كما ثبت في الصحيح وغيره.

وهذه الأصول -وهي ما يتعلق بمسألة الشفاعة- متفق عليها بين أهل السنة والجماعة، والمخالفون في مسألة الشفاعة هم الخوارج والمعتزلة ومن يوافقهم في هذا الباب من الشيعة.

فإن الخوارج والمعتزلة ينفون الشفاعة لأهل الكبائر؛ وذلك لأن مرتكب الكبيرة عند الخوارج والمعتزلة مخلد في النار، وقد استدلوا على نفي الشفاعة في حق أهل الكبائر بالآيات المذكورة في القرآن في حق الكفار، كقول الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، فحملوا هذه الآية على أهل الكبائر.

وهذا ليس في محله؛ لأن هذه الآية في قوم كفار، وأهل الكبائر هم من أهل الإسلام، وممن ثبت إسلامهم ودينهم كصريح دين المسلمين، وإلا للزم من ذلك أن جماهير المسلمين ليسوا من المسلمين، فإن المستقيمين على أمر الله الذين لم يقترفوا كبيرة ولم يأتوها هم القلة القليلة من الناس.

فالمقصود من هذا: أن الخوارج والمعتزلة ومن يوافقهم ينفون الشفاعة لأهل الكبائر، ويرون أنهم مخلدون في النار، وهذه من البدع المغلظة التي اختص بها هؤلاء عن طوائف المسلمين.

قال المصنف رحمه الله: [وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء، والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء، وفي العلم المورث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي، فمن ابتغاه وجده].

أشار المصنف لأخص الجمل، وأما التفصيل لباب اليوم الآخر وما يتعلق به، كالثواب والعقاب، فهذا مفصل في الكتاب والسنة والكتب المنزلة من السماء، أي: الكتب السماوية المنزلة على الرسل، كالمنزل على موسى وعيسى وداود وإبراهيم، وغيرهم من الأنبياء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015