هذه الشفاعة هي الشفاعة العظمى، ودليلها القرآن بظاهره، والسنة بصريحها، وإجماع أهل القبلة، فإن هذه المسألة حكي إجماع المسلمين عليها، وممن حكى إجماع المسلمين عليها الإمام ابن تيمية، فقد قال: إنها مجمع عليها بين سائر طوائف أهل القبلة، وهي الشفاعة العظمى بإجماع المسلمين، فضلاً عن السلف، ودليلها صريح السنة، بما ثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه.
وأما قولنا: وظاهر القرآن؛ فلأن القرآن ليس صريحاً في هذا، فهو لم يذكر هذه الشفاعة صريحة، وإنما الصريح هو اللفظ المفصل، وأما القرآن فإنه ذكر لفظاً مجملاً، وهو قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، فهذا المقام المحمود هو الشفاعة، ولهذا ذهب جمهور المفسرين من السلف والصحابة ومن بعدهم -كما ذكره ابن عبد البر، وابن تيمية وابن جرير، وغيرهم- إلى أن المقام المحمود في القرآن هو الشفاعة العظمى، هذا هو المأثور في تفسير هذه الآية، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث الأذان.
فيقال إذاً: إن دليل الشفاعة ظاهر القرآن، وصريح السنة، والإجماع القطعي، كما في حديث أبي هريرة، وكذلك جاء في البخاري وغيره عن أنس في سياق طويل؛ وفيه: أن الناس يأتون آدم فيعتذر، فيأتون نوحاً فيعتذر، فيأتون إبراهيم فيعتذر، فيأتون موسى فعيسى ..
فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، قال: (فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه بشيء لم يفتح لأحد من قبلي، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع).
فهذه هي الشفاعة العظمى.