قال المصنف رحمه الله: [وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم].
حوض النبي عليه الصلاة والسلام متواتر، وليس المقصود بالتواتر هنا التواتر الذي رسم حده المعتزلة، بل هو متواتر عند أئمة الحديث وأئمة السلف؛ كـ الشافعي وأمثاله الذين ذكروا لفظ التواتر؛ بمعنى: أنه رواه جماهير من الصحابة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وثبت في كتب الصحاح، وتلقاه العلماء بالقبول، وقد جاء من حديث أبي ذر وابن عمر وأبي هريرة وجابر بن سمرة، وأمثالهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وألفاظه في الصحيحين وغيرهما كثيرة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن طوله شهر، وإن عرضه شهر، آنيته عدد نجوم السماء، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً)، وكقوله: (أنا فرطكم على الحوض) كما في حديث أبي هريرة، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حوضي هذا من مقامي إلى صنعاء)، إلى غير ذلك من التحديد إما الزماني أو المكاني لحوض النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا الحوض -وهو على نهر الكوثر- أوتيه النبي عليه الصلاة والسلام، وفي حديث أنس في الصحيح قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليّ آنفاً سورة، فقرأ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] إلى آخر السورة، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، وهو حوض).
فدل ذلك على أن الحوض يكون على هذا النهر وهو نهر الكوثر، قال: (وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ..) إلى آخر الحديث.
قال المصنف رحمه الله: [ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء].
وهذا ثابت في الصحيح.
قال المصنف رحمه الله: [طوله شهر، وعرضه شهر].
هذا التقدير الزماني المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح، وفي الصحيح كذلك التقدير المكاني، كقوله: (من مقامي إلى صنعاء) أو (من مقامي إلى عمان).
قال المصنف رحمه الله: [من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً].
والذي يرد عليه هم جمهور أمته عليه الصلاة والسلام، وإن كان يذاد عنه رجال ممن أسقط السنة إسقاطاً بيناً، وقد جاء هذا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، قالوا: وكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟! قال: أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهر خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ثم قال: ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم: ألا هلم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً).
فهؤلاء الذين يذادون عن حوضه هم من أسقط سنته وعارضها، وانتحل سبيل غير المؤمنين.