الكافرون والمنافقون في يوم القيامة يلقون ربهم فهل يرونه أو لا يرونه؟
هذه مسألة نزاع بين أهل السنة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لم يحفظ عن الصحابة فيها قول، وكأنه يقصد -والله أعلم- أن الصحابة لم يشتهر نزاعهم في المسألة، وإلا فظواهر النصوص تكلمت في هذه المسألة، وعلى كل تقدير فإن بين أهل السنة نزاعاً في هذه المسألة، فمنهم من قال: إن المنافقين وحدهم من الكفار يرون ربهم في عرصات القيامة، ومنهم من قال: إن سائر أجناس الكفار يرون ربهم، ومنهم من قال: إنه يراه المنافقون وغبرات أو بقية من أهل الكتاب، ومنهم من قال: إن سائر الكفار من أهل النفاق وغيرهم لا يرونه.
وإذا نظرت في القرآن وجدت أن الله سبحانه وتعالى يقول عن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] هذا هو الظاهر في هذا المسألة، وهو الذي مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن عليه الأكثر من أصحاب أحمد، وهو ظاهر مذهب المتقدمين من السلف كـ مالك والشافعي وأحمد.
وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15].
وأما الاستدلال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فإن اللقاء ليس هو الإبصار، وفرق بين هذه الآية وبين قوله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44] وابن القيم رحمة الله عليه.
استدل على رؤية الكفار لربهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] وقال: إن أهل اللغة مجمعون على أن اللقاء، يستلزم أو يتضمن الإبصار، وهذا ليس بصحيح، فأهل اللغة لم يجمعوا، ولا يعقل أن أهل اللغة يجمعون على هذا المعنى؛ لأنه معنىً ظاهر من الحس، إنما المجمع عليه في كلام العرب أن العرب إذا عبرت بلقاء قرن بالتحية والسلام قصدت أن اللقاء جامع إبصاراً ومشاهدة، وهذا من تعبير العرب، وهو الذي ذكره ثعلب في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44] وابن القيم كأنه فاته هذا الفرق والله أعلم.
أما السنة ففي ظاهر بعض النصوص أن المنافقين وغبرات من أهل الكتاب يرونه، والحديث وإن كان في الصحيحين إلا أنه عند التحقيق لا تستتم به الدلالة.