الأدلة على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة

رؤيته سبحانه وتعالى مجمع عليها بين السلف، ونطقت بها النصوص في كتاب والله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهي مذكورة في القرآن في قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، ومذكورة في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] وإن كان حرف الزيادة مجملاً إلا أنه بتفسير النبي صلى الله عليه وسلم له في الحديث الصحيح صار من صريح أدلة أهل السنة على إثبات رؤية المؤمنين لربهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم، وهو الزيادة، ثم تلا قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]).

ومن دليل الرؤية في كتاب الله قوله سبحانه وتعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44] فإن السلام إذا قرن بالتحية، وذكر اللقاء فإن اللقاء هنا يتضمن المشاهدة والإبصار، وهذا ما ذكره ثعلب من أئمة اللغة، أنه قال: أجمعوا على أن اللقاء إذا قرن بالتحية والسلام، فإنه يتضمن المشاهدة بالإبصار، ولهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] هذا في الإنسان عامة، ولا يلزم أن تدل هذه الآية على أن غير المؤمنين يرونه، لأن اللقاء المذكور في عموم الإنسان لم يذكر فيه التحية والسلام.

كذلك تواتر ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حتى إن عدة من روى حديث الرؤية من الصحابة يبلغ الثلاثين، وهي مخرجة في الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها، وحديث الرؤية متواتر ومتفق على قبوله بين أهل العلم بالحديث، وكذلك بإجماع السلف، وقد حكى الإجماع غير واحد منهم.

فهذه المسألة من أصل مسائل الصفات، وأنكرها الجهمية والمعتزلة، فقالوا: إنه لا يرى.

وجاء متأخرو الأشعرية، فقالوا: إنه يرى لا في جهة، وهذا قول ثالث، من شذوذ المتأخرين من الأشاعرة عن عامة المسلمين، وإن كان قول المعتزلة والجهمية شراً من قولهم، لكن فيه شذوذاً عن أئمتهم المتقدمين كـ أبي الحسن الأشعري، وعن عامة المسلمين قبلهم، حيث قالوا: يرى لا في جهة، وهذا من باب إثباتهم للرؤية مع نفيهم للعلو؛ فإن المتأخرين من الأشاعرة نفوا العلو وأثبتوا الرؤية فقالوا: يرى لا في جهة.

وإن كانت هذه الجملة وهي قولهم: (يرى لا في جهة) قد يعبر بها من لا يقصد معناها من المتأخرين، فقد عبر بها بعض شراح الشافعية وبعض فقهائهم، حيث دخلت عليهم من أصحابهم المتكلمين، ولا يلزم أن يكون من نطق بها -كـ النووي مثلاً في شرحه على مسلم وأمثاله- ممن ينكر علو الله، فإن هذه الجملة استعملها أصحابها الأشاعرة، فظنوا أن تحقيق الإثبات للرؤية مع تنزيه الله لا يكون إلا بهذه الطريقة.

إذاً إذا تكلم بهذا الحرف أو بهذه الجملة متكلموهم كـ الرازي وأمثاله، فإنه يريد بها نفي العلو، وإذا تكلم بها فقهاؤهم وبعض حفاظهم المتأخرين، فلا يلزم أنهم يقصدون بها نفي العلو، وإنما ظنوها هي الطريقة المحققة عند أصحابهم.

والنووي وأمثاله لم يكن على سعة في الاطلاع على تفاصيل أقوال المتقدمين في مثل هذه المسائل، ولم يتبين الفرق بين طريقة متأخري الأشاعرة ومتقدميهم، فضلاً عن الفرق بين طريقة الأشعرية وطريقة السلف الأول، فهذا القدر ينبغي أن يعنى به في تقرير أقوال أهل العلم من الفقهاء وشراح الحديث الذين وافقوا أصحابهم من المتكلمين الذين يشاركونهم إما في المذهب الفقهي أو في جمل من المذهب العقدي، وإن كانوا لا يقصدون إلى تحقيق أقوالهم في هذا الباب أو ذاك.

فهذا ما يتعلق بأصل هذه المسألة وقدرها عند السلف، وأنها إجماع متواتر.

وفي باب الرؤية ثلاث مسائل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015