قال المصنف: [أما بعد ..
فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة].
النبي عليه الصلاة والسلام بيَّن أن أمته ستفترق، وهذا متواترٌ عن الرسول عليه الصلاة والسلام، تلقته الأمة -أعني: أهل السنة والجماعة- بالقبول، ولم ينازع فيه أحد من أئمة الحديث، فإنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة: (أنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة)، وفي وجه: (حتى يأتي أمر الله).
هذا الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم المتلقى بالقبول يدل على أن ثمة افتراقاً سيحدث.
أيضاً ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاختلاف في نصوص كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين-: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق).
فمثل هذا النص وما في معناه يدل على أن ثمة افتراقاً.
أيضاً الاختلاف والافتراق من جهة الوقوع لا أحد ينكره، فإن الأمة وقع فيها افتراق واختلفت، وصار فيها طوائف متحيزة لمذاهبها وأصولها.
فمثل هذا مما لا ينبغي إنكاره أو التكلف في إنكاره.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه أهل السنن وغيرهم من حديث أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما- أنه قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة) وهذا الحديث لا يختص وحده بذكر مسألة الافتراق في هذه الأمة، وقد أخرت ذكره؛ لأن فيه طعناً من جهة صحته.
لكن من أراد أن يرفع هذا الافتراق، ويقول أنه لا وجود له، وأن الأصول السلفية وغير السلفية لا فرق بينها، وإنما هذا اجتهاد للمحدثين، وهذا اجتهاد لبعض النظار ..
وهلم جرا، ويدفع ذلك بأن الحديث المروي في الافتراق -وهو حديث: (افترقت اليهود
إلخ) - حديث ضعيف ..
فقد جاء أمراً متكلفاً وارتكب شططاً؛ فإنه لو سلم جدلاً أن الحديث ضعيف -ليس بَيِّنَ الصحة والثبوت، وإن كان الأظهر فيه أنه ثابت- فإن الحكم لا يختلف؛ لأن الحديث المتواتر بيَّن أن الأمة سيقع فيها اختلاف، وأن طائفةً منها ستختص بالصواب، وإن كان اختصاصها بالصواب لا يلزم منه أن سائر ما يقع لغيرها من الأقوال والأفعال يكون باطلاً، بل يقع لهم قدر من الصواب إما مجملاً وإما مفصلاً، ولكن الذي اقتدى بسنة النبي صلى الله عليه وسلم على تفصيلها هم أصحاب هذه الطائفة الناجية المنصورة.